قراءة شحرور للقصص القرآني تحريف وتخريف (5)


مصطلح القصص المحمدي!!




مركز نون للدراسات القرآنية/ فلسطين


خلال تعريف الشحرور بالقصص القرآني وعرضه لمنهجيته في دراسته، في الجزء الأول من كتابه، يورد ضمن حديثه عن ( التنزيل الحكيم: بين النص التاريخي وتاريخانية النص)، عنواناً فرعياً هو: ( القصص المحمدي بين التاريخي واللاتاريخي)، ومن الواضح لمن له أدنى اطلاع بطروحات القوم، أن تعبيري التاريخية والتاريخانية يُتوسل بهما لأمرين: التشكيك في ربانية القرآن كونه، في زعمهم، وليد البيئة الزمانية- المكانية، ومن جهة أخرى رفض التشريعات المستنبطة من هذه النصوص كونها خاصة بذاك التاريخ.
لكن اللافت والغريب هو استخدام شحرور لمصطلح ( القصص المحمدي)، في وصف أحداث السيرة النبوية، ولا يهم إن كان هو من استحدثه أو تابع فيه غيره، ووجه الغرابة أن القرآن لم يسم عرضه لأحداث السيرة النبوية وتعليقه عليها قصصاً، ولم يأخذ هذا العرض في القرآن الطابع ذاته الذي عُرض فيه القصص القرآني، كما أن غالب أحداث السيرة النبوية والتعليقات عليها في القرآن الكريم إذا درسناها بمنظار النقاد والأدباء المعاصرين لا يمكن تصنيفها ضمن الفن القصصي، فلماذا إذن يطلق عليها الشحرور هذا الاسم؟
بداية لا بد من التذكير بأن الشحرور يستثني من ( القصص المحمدي) كل مرويات السيرة حيث له موقف من السنة ليس هذا مجال عرضه وتفنيده، ومن الملاحظ أن عدوله عن مصطلح السيرة النبوية أو النبي في القرآن، يشير من جهة إلى تأثره بالمستشرقين الذين يفضل الكثيرون منهم استخدام: ( المحمدية والمحمديين)، وربما كان ذلك لموقفه السلبي من الرسول عليه الصلاة والسلام، فضلاً عن أن اعتباره لحديث القرآن الكريم عن السيرة النبوية قصصاً هدفه تعدية موقفه من القصص القرآني إلى السيرة النبوية من حيث إفراغها من المحتوى التشريعي، وبالذات ما يتعلق منها بالجهاد بل وفريضة الحج أيضاً، كما سيأتي.
يقول الشحرور:" لقد كان تسجيل التنزيل للقصص المحمدي على صفحاته تسجيلاً لأحداث عاصرها النبي صلى الله عليه وسلم، ومَن حوله من أخبار مشاهدة في الواقع، ولكن هذه الأخبار تبقى لمن لم يعشها ويشاهدها، أنباء تنقل تسجيلاً لواقع لم يعايشه ولم يشهده، ويمكننا القول بأن هذا ينطبق على قصص الأنبياء التي نقلت لنا من فضاء لم نقف منه موقف المشاهد والمعايش[1]"، لقد كانت هذه المقدمة ضرورية بالنسبة للشحرور، حيث هو يدرك بأن إدراجه السيرة النبوية ضمن القصص القرآني غير منطقي، فكان لا بد من البحث عن أي مبرر أو مسوغ مهما كان تافها أو سخيفاً ثم عقلنته، والمبرر الذي تفتقت عنه أحلام الشحارير، أن قصص الأمم السابقة بالنسبة للرسول ومن معه غير معايَشة ولا مشاهَدة، وكذلك أحداث السيرة النبوية للذين سيأتون بعد الرسول وأصحابه، فإنها غير مشاهَدة ولا معايَشة، فهي بهذا الاعتبار بمثابة قصص لهؤلاء!!
ويتابع الشحرور:" ولقد جاء هذا التسجيل للقصص معبراً عن رؤية الله المتعالية للأحداث كما تمت نتيجة خيارات الناس في عصرهم، ولم يكن تسجيل القصص معبراً وناقلاً لما أراده الله بل تسجيلاً لما فعله الإنسان في واقعه متفاعلاً مع الوحي وواقعه وتشكلاته الاجتماعية والفكرية، ولذا فإننا نرى أنه لا يمكن اعتبار القصص جزءا من الرسالة التي بعثها الله وحياً وقصداً من عنده، والتي تضمنت وصايا الله للإنسان، فحوت وصايا بتشريع معين تفاعلت مع إنسان ذلك العصر. وتبقى وظيفة القصص مقتصرة على تبيان هذا التفاعل وعلى تحقيق تصديق لهذه الرسالة؛ أي مظنة للعبرة والادكار الناتجين عن قراءة واعية لجدل العلاقة بين مضمون الرسالة وبين الواقع التاريخي الذي كانت فيه"[2].
ففضلاً عن التعبير الفج ( رؤية الله)، الذي يتحدث عن الذات الإلهية كما يتحدث عن المخلوقين، يؤكد الشحرور أن القصص- بما فيه القصص المحمدي!!- ليس جزءاً من الرسالة أي أنها لا تتضمن تتشريعات، ثم هو ينعى على " العقل السلفي" بشقيه: الوسطيين المعتدلين والمتطرفين " عدم تفريقهم بين النبوة والرسالة، واعتبارهم أن القصص المحمدي مصدر للتشريع والأحكام، ونظرتهم إلى خصوم اليوم كمماثلين لخصوم دعوات الأنبياء ينطبق عليهم ما انطبق على الأولين، فحين يستدعي دعاة السلم والحوار من الوسطيين آيات الجدال بالتي هي أحسن، أو الآيات الناهية عن الإكراه في الدين، يناوؤهم المتطرفون بالاستدلال من القصص المحمدي الخاص بالمعارك على قتل المشركين والكفار "[3]. متجاهلاً أن آيات القتال كما آيات الحوار لها ظرفها الذي تطبق فيه، لكنه يريد أن يقول إن الحل يكمن في تحنيط القصص المحمدي!!، فالأرضية المعرفية الواحدة، وآليات فهمها الواحدة – يقصد أصول الفقه – وحضور السياسي في الديني المتفق عليه بين الطرفين هي التي تؤدي إلى الإكراه والعنف وعدم التسامح[4].
ودليل الشحرور على ذلك " سورة التوبة مثلاً والتي تعتبر معيناً خصباً للفرز العقائدي وتصفية الآخر[5]" وهنا لا يطيق المفكر الإسلامي البقاء في قفص الممثل الذي يفسر القرآن من داخله، فأكد أن مشكلته هي مع النص ذاته قبل أن تكون مع شارحيه ومفسريه، إنها سورة التوبة إذن، والتي هي معين خصب للفرز العقائدي وتصفية الآخر، إنها تتحدث عن المشركين والكافرين والمنافقين، وتتحدث عن القتال والجهاد.
إن الشحرور يذكرنا بمحمد أركون وجوقته وحملتهم الشعواء على سورة التوبة، لكن أولئك كانوا واضحين في رفضهم للإسلام والقرآن على طول الخط، أما الشحرور فإنه يرى بأن تستره بالدين وحربه من الداخل أجدى وأفعل، ولا بأس بأن ينزلق لسانه أو قلمه مرة أو أكثر، فلن يتنبه له أحد. 
----------------------
[1] ) شحرور، القصص القرآني، 1/ 122.
[2] ) القصص القرآني: 1/ 123.
[3] ) السابق: 1/124.
[4] ) السابق، 1/124.
[5] ) السابق، 1/124.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين