قراءة شحرور للقصص القرآني بين التحريف والتخريف -1-


(1) قراءته لقصة يوسف




مركز نون للدراسات القرآنية/ فلسطين
هذه السلسلة من المقالات تهدف إلى تفنيد مزاعم محمد شحرور وأباطيله ، بخصوص القصص القرآني، وهي على أي حال استمرار لقراءته التي يحلو له وصفها بالمعاصرة!! منذ أصدر كتابه الأول قبل ربع قرن ( الكتاب والقرآن قراءة معاصرة).
ولولا أن هناك من يروج للرجل بوصفه مفكراً إسلامياً، في المحافل والفضائيات، وربما افتتن به أنصاف المثقفين، وبسطاء الناس، ما انشغلت به، لكنه وهو يتظاهر بالإيمان ويكرر وصف القرآن بأنه ( التنزيل الحكيم)، يفرغ القرآن من محتواه، ويروج للكفر والفسوق من خلال تأويلاته المنحرفة، وينكر المعلوم من الدين بالضرورة، ويجرئ على الكبائر، وينتقص من الإسلام بعضاً من أركانه. 
وهذه المقالات لا تتغيا الدراسة الشاملة لقراءته، ولكنها تتوجه إلى عينات متفرقة من قراءاته، التي وصفتها في العنوان بأنها تحريف وتخريف، ذلك أن تأويلاته يظهر فيها التحريف المتعمد وليس فقط الانحراف في الفهم، وهذا التحريف بلا منطق ولا عقلانية إلى حد التخريف.
وقد جعل قراءته في أربعة أجزاء أولها مدخل وقراءة لقصة آدم، والثاني قراءة القصص من لدن نوح إلى يوسف ، والثالث من بعد يوسف حتى عيسى والأخير قراءة لما أسماه القصص المحمدي.
وهذه المقالة تفنيد لبعض أباطيله حول قصة يوسف ، حيث لن أقوم في هذه المرحلة بالكتابة حسب التسلسل، وإنما بحسب ما يتجهز لدي أولاً، سائلاً المولى التوفيق والسداد والإخلاص والقبول، آمين.
يقول شحرور:" ننتقل الآن إلى قوله تعالى: ? وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك، قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون?[ يوسف: 23]، ونفهم منه أموراً أولها: أن يوسف كان يعرف الله بدليل أنه استعاذ به، ثانيها: أنه استكبر واستنكر أن يمتثل لما تدعوه إليه باعتباره يتعارض أخلاقياً مع ما انفتحت عيناه عليه في بيئته الأولى من مكارم وقيم ومثل عليا كالوفاء والمروءة، وليس باعتباره زناً محرماً لأن تحريم الزنا لم يكن قد نزل به تحريم إلهي"[1].
ثم يقول شحرور:" بعد آية يوسف 23 يتابع سبحانه القصة قائلاً:? ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين?[ يوسف: 24].
" هذه الآية لا يمكن فهمها إلا إذا فهمنا لماذا استعاذ يوسف بالله في الآية السابقة، والجواب إنه من موقعه كنبي يعلم أن ميل الرجل للمرأة والمرأة للرجل غريزة فطرية جعلها الله فيهما بدلالة قوله تعالى:? ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة..?[ الروم: 21]، ويعلم أن هذه الغريزة المخلوقة المجعولة فيه قانون رباني قاهر لا فكاك لإنسان منه نبياً كان أم غير نبي إلا بتدخل من الله الخالق البارئ المصور، وهذا ما أشار إليه يوسف نفسه في قوله:? وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين?[ يوسف33]، ومن هنا كان طبيعياً أن يلجأ يوسف إلى ربه مستعيذاً به راجياً منه متوكلاً عليه.
" والسؤال الأول: هل استجاب الله ليوسف؟ والجواب نعم، بدلالة قوله تعالى:? فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم?[ يوسف: 34]، والسؤال الثاني: كيف حصل ذلك وتم؟ والجواب: كما أن الله سبحانه استجاب لإبراهيم وعطل خاصية الإحراق في نار النمرود فجعلها برداً وسلاماً، وكما استجاب لموسى في مباراته أمام فرعون فحول العصا من خشب إلى لحم ودم فإذا هي حية تسعى، كذلك استجاب الله لنبيه يوسف فجرده من قدرته على الجماع، فإذا بعنوان ذكورته خرقة بالية لا تنفع لا للخل ولا للخردل.
"وهذا هو البرهان الرباني المادي الذي رآه يوسف رأي العين وهي تهم به ويهم بها، وهكذا أصبح الجماع الجنسي مستحيلاً. وهذا هو هو برهان الله على الإحصان من الفاحشة، وهو برهان من مقام الربوبية، وإلى يومنا هذا إذا أراد الله منع إنسان من الوقوع في الفاحشة فإنه يفقده القدرة على الجنس أن كان فاحشة، ونحن نؤكد قوله تعالى بأنه لو لم يهم بها لما رأى برهان ربه"[2].
ولنا على ما أورده شحرور الملاحظات الآتية:
1) قال شحرور تعليقاً على قول يوسف ? قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون?:" ونفهم منه أموراً أولها: أن يوسف كان يعرف الله بدليل أنه استعاذ به"!!
وكلامه هذا استمرار لدعاوى شحرور بأن التعرف على الله واسمه كان عملية تطورية تراكمية، وكأن اسم الله تعالى توصل إليه يوسف بينما لم يكن توصل إليه عدد من الأنبياء قبله، بينما القرآن يظهر خطاب الأنبياء لأقوامهم وهم يذكرون اسمه سبحانه، أو يدعون الله تعالى بلفظ الجلالة.
2) والأمر الثاني الذي فهمه شحرور من الآية الكريمة أن يوسف " استكبر واستنكر أن يمتثل لما تدعوه إليه باعتباره يتعارض أخلاقياً مع ما انفتحت عيناه عليه في بيئته الأولى من مكارم وقيم ومثل عليا كالوفاء والمروءة، وليس باعتباره زناً محرماً لأن تحريم الزنا لم يكن قد نزل به تحريم إلهي".
وهذا الكلام من شحرور لا دليل له عليه من القرآن الكريم، بل النص القرآني يفيد عكسه تماماً، فكل هذه الاستعاذة باللجوء إلى الله تعالى والاستجارة به لم تكن مجرد تورع عن أمر مخالف للمروءة بل كانت عن أمر عظيم وخطير ومحرم، ثم إن قول يوسف في السياق ذاته: ? إنه لا يفلح الظالمون? يؤكد أن مواقعة هذا الفعل – الزنا – ظلم للنفس وللغير وعاقبته عدم الفلاح الدنيوي والأخروي، فكيف لا يكون محرماً والحالة هذه؟
3) وتعليقا على الآية الكريمة:? ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين?، يتابع الدكتور شحرور: " هذه الآية لا يمكن فهمها إلا إذا فهمنا لماذا استعاذ يوسف بالله في الآية السابقة، والجواب إنه من موقعه كنبي يعلم أن ميل الرجل للمرأة والمرأة للرجل غريزة فطرية جعلها الله فيهما بدلالة قوله تعالى:? ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة..?[ الروم: 21]، ويعلم أن هذه الغريزة المخلوقة المجعولة فيه قانون رباني قاهر لا فكاك لإنسان منه نبياً كان أم غير نبي إلا بتدخل من الله الخالق البارئ المصور، وهذا ما أشار إليه يوسف نفسه في قوله:? وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين?[ يوسف33]، ومن هنا كان طبيعياً أن يلجأ يوسف إلى ربه مستعيذاً به راجياً منه متوكلاً عليه".
فأما قوله إن الميل المتبادل بين الرجال والنساء غريزة فطرية فصحيح، مع أن الآية التي استشهد بها قد لا تدل صراحة على مراده، ولعل في الكتاب أو السنة ما هو أصرح منها في الدلالة، لكن زعمه ب" أن هذه الغريزة المخلوقة المجعولة في الإنسان قانون رباني قاهر لا فكاك لإنسان منه نبياً كان أو غير نبي إلا بتدخل من الله"، مجانبة للحقيقة والواقع، فكم من الرجال والنساء الذين يتعرضون للتحرش والإغواء ثم لا يضعفون ولا يستجيبون دون أن تحصل لهم معجزات مادية، ومقتضى كلامه لو صح، أن يصبح الناس يتسافدون في الشوارع والمؤسسات، وهم في ذلك معذورون غير ملومين.
4) ثم يتابع شحرور تخريفاته بالقول :" كما أن الله سبحانه استجاب لإبراهيم وعطل خاصية الإحراق في نار النمرود فجعلها برداً وسلاماً، وكما استجاب لموسى في مباراته أمام فرعون فحول العصا من خشب إلى لحم ودم فإذا هي حية تسعى، كذلك استجاب الله لنبيه يوسف فجرده من قدرته على الجماع، فإذا بعنوان ذكورته خرقة بالية ى تنفع لا للخل ولا للخردل، وهذا هو البرهان الرباني المادي الذي رآه يوسف رأي العين وهي تهم به ويهم بها، وهكذا أصبح الجماع الجنسي مستحيلاً. وهذا هو هو برهان الله على الإحصان من الفاحشة".
والطريف أن شحرور يقول هذا الكلام ثم يتهكم ويسفه ما أورده بعض المفسرين نقلاً عن روايات القصاص من كلام غير مقبول، ويعلق بأن هذا الكلام هراء صاغته مخيلة مريضة، وكلامه هنا مقبول لا نعارضه، لكن ماذا يقول هو عن كلامه السابق بأن نجاة يوسف كانت بتعطيل قدرته الجنسية، والذي لا يؤيده النص القرآني، ولا يقبله العقل، ولا يؤيده الواقع ولا التجربة، خلافاً لزعمه:" وإلى يومنا هذا إذا أراد الله منع إنسان من الوقوع في الفاحشة فإنه يفقده القدرة على الجنس إن كان فاحشة".
5) إن كلام شحرور هنا تسويغ لكل من يتعرض للتحرش أو الإغواء أو حتى الإثارة، بأنه ليس عليه شيء لو ترك غريزته القاهرة!! تتحكم فيه وتقوده إلى الفاحشة، وهو ليس مسؤولاً ما دامت تلك هي إرادة الله، حسب زعم شحرور، إلا إذا أراد الله نجاته فيعطل قدرته على الجنس في تلك اللحظة، ( إن كان فاحشة) حسب تعبير شحرور، ولا أدري لم أورد هذا القيد هل ليستثني العلاقات الزوجية المشروعة، أم أن في رأسه موالاً آخر يبيح فيه العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج ولا يعتبرها فاحشة!؟
6) وأين العظة والعبرة في القصة والدعوة إلى العفة، وأين السبعة الذين يظلهم الله بظله والذين من أبرزهم رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله، لكن للشحرور موقفاً معروفاً من السنة، لعلنا نعرج إليه في سياق المقالات التالية؟
وإلى لقاء آخر بإذن الله تعالى.
[1] ) شحرور، القصص القرآني قراءة معاصرة، 2/ 233، دار الساقي، بيروت، ط1، 2012م.

[2] ) شحرور، القصص القرآني، 2/ 233- 234.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين