قدراتي تفوق قدرات زوجي.. فهل الطلاق هو الحل؟

قدراتي تفوق قدرات زوجي.. فهل الطلاق هو الحل؟

د يحيى عثمان

 

السلام عليكم، تحية تقدير لمجلتكم الموقرة ولجهودكم المشكورة في دعم الأسرة، وبعد:

أنا سيدة في منتصف الثلاثينيات من العمر، متزوجة، وزوجي ولله الحمد طيب خلوق ويعمل محاسباً، ورُزقنا ولله الحمد بثلاثة أولاد.

علاقتنا بصفة عامة جيدة، إلا أنه ما ينغص حياتنا تفوقي! نعم فلله الحمد منذ صغري وقد بذل والدايّ جزاهما الله عني وإخوتي خيراً لحسن تربيتنا، والدي مهندس له شركاته، وكان حديث المدينة في دعمه لصغار المهندسين وقيمه وأخلاقه المهنية، كما كانت له مشاركاته الاجتماعية من عضوية ورئاسة عدة جمعيات خيرية، ووالدتي أستاذة جامعية، وكثيراً ما أشادت بها المجلات العلمية لتميزها البحثي، ورغم ذلك فإنهما كانا يبذلان كل الجهود من أجلنا.

نشأت في بيئة ناجحة، ويُسرت لي كل مقومات التفوق والتميز، لقد حفظت وإخواني أكثر من نصف القرآن في طفولتنا، مارسنا الحياة الاجتماعية من خلال اشتراكنا في النادي، وكنا نحصل على مراكز متقدمة في عدة ألعاب، وكذلك الأنشطة التطوعية للجمعيات الخيرية ناهيك عن المسابقات الثقافية.

من الناحية العلمية، رغم تفوق إخواني كنت متميزة دائماً الأولى ليس على مستوى الفصل أو الصف بل المدرسة، وكنت القاسم المشترك لحفلات التكريم العلمي والاجتماعي، وكنت حريصة كل الحرص أن أحقق معدلات لم يسبقني بها أي من الطلاب، كذلك الأنشطة الاجتماعية والدعوية والرياضية.

في إحدى السنوات، تم تقسيم جائزة الطالبة المثالية بيني وبين إحدى صديقاتي، حزنت جداً ولم أنم ليس حقداً عليها ولكن لوماً لنفسي على تقصيري.

التحقت بالجامعة، وكنت أول خريجة تحصل على مرتبة الشرف على مستوى الجامعة بمعدل 99.8%، كنت رئيسة اتحاد طلاب الجامعة، أنجزت عدة دراسات شرعية وتخصصت في مناقشة قضايا الإلحاد لدى المراهقين بالتعاون مع أحد المراكز العلمية. عاملني والدايّ بثقة منذ صغري، وساعدني ذلك على تحمل المسؤولية وإدارة حياتي بطريقة صحيحة؛ مما وسع نطاق ثقتهم بي، وكثيراً ما كانا يأخذان رأيي في بعض الأمور التي تخص العائلة، كذلك كنت في علاقاتي بقريباتي وصديقاتي محل ثقتهن فيما قد ما يعترضهن من أحداث.

حدثني أبي أن أحد أصدقائه أوصى خيراً بشاب يريد الزواج، وأن المعلومات التي عرفها عنه جيدة، وطلب موعداً للتعرف عليه، تمت المقابلة ووافقت، وأعجبني طموحه والتزامه الديني وتوافقنا على بعض الموضوعات المهمة، لم يحمله أبي أي أعباء تقريباً، وطلب منه فقط أن يتقي الله فيَّ.

لاحظت خلال فترة الخطبة سيطرة والدته على والده، وهي عادة ما تدير أي لقاء عائلي يجمعنا، كما أنها تتدخل في أمور تخصنا، كما أن خبراته الحياتية محدودة، إنه عادة ما كان يشيد برأيي خلال مناقشتنا؛ لأن رأيي كان دائماً هو الأفضل، وكان ذلك يسعدني كثيراً، ورغم أنه كان يبدو سلساً، فإنني كنت ألاحظ وكأنه يبذل جهوداً لإظهار ذلك، لم أكترث كثيراً بذلك، وقلت: إنها مرحلة مؤقتة وسنستقل بحياتنا ونديرها بما يناسبنا.

بعد حوالي ما يقرب من 12 عاماً من الزواج، حالنا كما يلي:

عقدة سيطرة أمه على أبيه مسيطرة عليه في كل تصرفاته معي، في كل صغيرة وكبيرة يظهر السيطرة وأن الأمر بيده.

لديه إحساس بالدونية تجاهي، في أي أمر يخصنا يكون رأيه قاصراً على وجهة نظره دون الأخذ في الاعتبار شمولية الموضوع؛ ما يجعلني أبين له خطأه وبيان صحة رأيي، وبدلاً من أن يشكرني يسفه من رأيي ويصر على تنفيذ ما يرى.

ضعُفت، بل تلاشت تقريباً المشتركات بيننا، بينما هو غارق في عمله، أنا والحمد لله منكبة على تنمية نفسي سواء بالقراءة أو الدورات أو المجموعات الإلكترونية الهادفة، بالإضافة طبعاً إلى الاهتمام بالأولاد، لأنه ليس له دور تقريباً معهم.

سريع الانفعال والغضب على تفاهات لا قيمة لها، والأولاد يخافون منه، لم يستطع أن يجذب الأولاد إليه، رغم كرمه المادي معهم، ما دام خارج المنزل فالبيت هادئ، والأولاد يذاكرون أو يلعبون وأنا إما معهم أو مشغولة بشيء ذي قيمة، عندما يدخل المنزل كأن عاصفة هوجاء من الأوامر والنواهي حتى لو كانت سليمة إلا أن أسلوبه منفر.

أنا على وشك اتخاذ قراري بالطلاق؛ فما رأيكم؟

 

التحليل

يمكن تلخيص المشكلة في:

زوجة ترى أنها مثالية ولا ترضى إلا أن تكون متميزة، وعلاقة والديها طبيعية، وزوج ذو قدرات عادية وهناك خلل في علاقة والديه؛ أب منسحب وأم مسيطرة.

جزى الله والديك عنك خيراً، ولكنْ هناك فرق كبير بين السعي لتحقيق المثالية، وأن أرى نفسي مقصرة إن لم أحققها، وأنني دائماً الأصوب والأصح! أو أن أفترض أن يكون الآخرون مثاليين؛ لأن قدرات الناس متفاوتة، إن الحرص على تحقيق المثالية صفة طيبة، ولكن يجب أن يتم ذلك من خلال بذل الجهد المناسب لإتقان ما نعمل، فنحن مأجورون على بذل الجهد المناسب لتحسين الغاية المطلوبة، لكن النتائج بتوفيق ومشيئة الله تعالى.

إن من شكر الله تعالى على ما أنعم به علينا هو حسن توجيه آلائه والانتفاع بها من خلال التفاعل ذي التأثير الطيب مع كل من نتعامل معهم بصفة عامة وأهلنا بصفة خاصة، كما يجب ألا تكون نعمة الذكاء وما وفقنا الله إليه من خبرات حائلاً لحسن التواصل مع من نتعامل، بل يجب توظيفها بذكاء لتوطيد علاقتنا بهم، ويجب ألا نشعرهم بالانتقاص من قيمتهم بإظهار تميزنا عليهم.

كما أوضحتِ أنه كان هناك فرق بين قدراتكما، ولا حرج أبداً أن تكون قدرات الزوجة تفوق قدرات الزوج، وحتى يتم استفادة الأسرة من ذلك يجب:

- ألا تشعر الزوجة بالزهو، أو يشعر الزوج بالنقص.

- أن يعمل الزوج على تنمية قدراته، وأن تساعده الزوجة على ذلك، بل وتحفزه إن وجدت به تقاعساً.

- أن تتحلى الزوجة بذكاء في مناقشتها مع زوجها، ولا تسفّه أو تنتقد آراءه؛ بل تشيد بها: «فكرة رائعة»، وفي الأمور المهمة يمكن لها أن تقول: «لو تسمح لي أضيف فقط..»، توحي إليه بما تراه مناسباً، مثل اختيار مدارس الأولاد، أما فيما يتعلق بالموضوعات البسيطة فيجب عليها الأخذ برأيه، مثل ترتيب رحلة عائلية.

إن من أحد أهم العوامل المؤثرة في سلوكيتنا كأزواج سلباً أو إيجاباً هو الصورة الذهنية التي تنطبع لدينا منذ طفولتنا من خلال علاقة والدينا معاً، وقد اتضح لديك أن هناك تبايناً في نموذج العلاقة الزوجية لكل منكما في العائلة التي نشأ فيها.

ما عليك فعله:

- يجب ألا نطرح فكرة الطلاق إلا بعد استنفاد كل الجهود للإصلاح.

- إن الخطبة ليست وعداً بالزواج، ولكنها وعد بدراسة مدى توافر عناصر نجاح زواج الخطيبين.

- لقد تأكد لديك ضآلة قدرات خطيبك، وأنه يبذل جهوداً لقبولها بسلاسة، وسعدت بتفوقك كعادتك، ولم تناقشي ذلك معه، وتتفقا على كيفية تنمية قدراته وكيفية اتخاذ القرارات العائلية بينكما.

- كما أنك لم توضحي كيف ستكون علاقتكما التي يجب ألا تتأثر بخلفية علاقة أمه بأبيه.

- لم تتعاملي بذكاء اجتماعي للاستفادة من قدراتك وحسن تطبيقها من خلال إشعار زوجك بأنه هو مصدر القرار؛ ما حرك الشعور بالنقص لدى زوجك، فحرص على أن يقلل من شأن آرائك ويتمسك بقوة بآرائه؛ في محاولة لإثبات وجوده وسيطرته على البيت ولفهمه الخاطئ للقوامة؛ فتفوق قدراتك على زوجك يعيد لديه صورة أمه المسيطرة، فيحاول إشعار نفسه أولاً: لا أنا لست أبي، وأنت لست أمي، فيحرص على تسفيه آرائك.

الحل

للأسف ما زال بعض الرجال لديهم حساسية في أن يرى أن رأي زوجته الأصوب، وقد تأخذهم العزة فيرفض رأيها رغم قناعته أنه الأصوب، وفي المقابل هناك كثير من الزوجات يملكن من الذكاء بأن يسوقن رأيهن لأزواجهن، ويشعرنهم أنه قرارهم؛ بل ويشدن برجاحة عقلوهن! وهذا ما عليك أن تفعليه.

أما عن تخوفه من محاكاة نموذج والديه، فيجب عليك الحرص -خاصة أمام الآخرين- على تقديره وإظهار أن الأمر بيده.

زوجك محتاج أن تشيدي به، وتشعريه بأنه قيمة في حياتك، وأرى أن المبالغة هنا مطلوبة ليس فقط في فكره بل ملبسه وطريقة تعامله وكل ما يمكن الإشادة به.

من المفاهيم الخاطئة أن بعض الأزواج يقصرون في المبالغة عن عواطفهم أو الإشادة بأزواجهم متعللين بالموضوعية والمصداقية؛ لذا عليك أن تشيدي برأي زوجك ما لم يتعلق الأمر بحلال أو حرام، إما إن كان الأمر يتعلق بمباح فيمكن الإشادة به وتعديله للأصوب بذكاء.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين