قالــت أخـتـي


بقلم أبي شهد الأنيس
      
وهبَ اللهُ الوالدين تسعة أبناء: خمسة ذكور وأربع إناث, مضى منهم إلى الله اثنان: أخ, استُشهد وهو شاب في أحداث الثمانين, وتُوفيت أخت وهي صغيرة, وبقي سبعة, واحد من الذكور مغتربٌ في دولة أوربية, واثنان في دولة خليجية, وواحدة متزوجة من عربي ومقيمة معه في بلد مجاور.
       ويَشهدُ المحنةَ الآن في سورية أختان وأخ, وخرج الأخُ وأختٌ معه إلى تركيا, ثم عادا لظروف قاهرة.
      
أتواصلُ مع أخيْ وأُختيَّ تواصلاً دائماً, كلما أمكن التواصل، نتحدثُ في شؤونهم الخاصة والعامة, وأحوال البلاد, وأهوال المحنة التي نزلت بها.
       كان الناسُ يعيشون قبل هذه الظروف في حال, والآن يعيشون في حال آخر.
      تغيرت العاداتُ قسراً, واضطُروا إلى عادات أخرى قهراً.
 
      وبعضُهم سخطَ ويسخطُ، ويملاً الغيظُ زوايا نفسه, وبعضُهم أخذ من المحنة عبرة, ونظر إليها نظرات متعددة, فهو راضٍ عن ربه, شاكر له على نعمته المتواصلة, صابر على بليته النازلة, لم تُفقده الأهوالُ إيمانَه, ولم تُزلزل الشدة عقله, وهو يقول: إذا كنّا نعيش الآن في شدة فطالما عشنا في رخاء, ولنْ نُسيء أدبنا مع ربنا, على أنَّ لطفَه السابغ يحفُّنا, وبرَّه الشامل دائم علينا, وما يدفعه عنّا مِن ظلم الظالمين، ومكر الماكرين، وكيد الكائدين أكبرُ ممّا نرى.
 
       قالتْ أختي - وقد اضطُرتْ هي وأسرتُها لمغادرة بيتها وحيِّها- :
    ها نحنُ ننتقل مِن دار إلى دار, ومِن حي إلى حي، نعيشُ أياماً في محلة, وأياماً أخرى في محلة أخرى, نحمل معنا قليلاً من الملابس، وقليلاً من المتاع...وننظر في حالنا هذا وحالنا من قبل، ونتأمل، ونقولُ:
    سبحان الله, ها نحنُ نعيش الآن على القليل القليل, وهو يكفينا، فلماذا كنّا نشتري وندَّخر, وندَّخر ونشتري, ونكدِّس الملابس، والحاجات اللازمة وغيرَ اللازمة, حتى امتلأت البيوت, وضاقتْ بما فيها ومَن فيها, صرفنا الأموالَ, وزيَّنا الجدرانَ والأراضي, واقتنينا التحفَ والنفائسَ, وباهينا الناسَ وباهونا, وكدَّسنا وكدسُوا, وكنزنا وكنزوا, وتركنا الآنَ كلَّ شيء, وخرجنا, وعشنا على أقل الأشياء, وما كنّا نتخيلُ أننا نستطيعُ أنْ نعيشَ كذلك...
 
     اقتُحمتْ بيوتٌ وسُرقتْ ونُهبتْ, ودُمِّرتْ أخرى وتهاوتْ, وذهبَ كثيرٌ من المُدَّخرات أو بعضُه, وكلما زادت المُدَّخرات, زادت السرقاتُ والمنهوباتُ, وزاد الأسى على فقدانها...
 لقد أخذنا من هذه المحنة دروساً كثيرة، ومنها هذا الدرس في ضرورة التخفف، وهو درسٌ كبيرٌ, ونعمة من نِعم الله التي استفدناها في هذه الظروف الصعبة...
 
    حقا لقد فازَ المُخفّون.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين