قادة غيروا الدنيا عبد الكريم الخطابي .. أسطورة الريف - 1-

 

 الأمير عبد الكريم الخطابي قائد وطني، وزعيم المقاومة المغربية في الشمال الإفريقي خلال الفترة من عام 1919م إلى عام 1929م ، وكان قائد حرب الريف الشهيرة ، و هو قيادي بارز ضدَّ الاحتلال الفرنسي - الإسباني للمغرب .

 

 نشأته

وُلِدَ محمد بن عبد الكريم الخطابي في بلدة أغادير بالمغرب الأقصى سنة (1300هـ= 1882م)، ونشأ في أسرة كريمة تحت كنف والده ، الذي كان يتزعَّم قبيلة بني و رياغل ، تلقى تعليمه في جامعة القرويين ؛ حيث درس العلوم الشرعية و اللغوية ، و تولَّى منصب القضاء الشرعي في مدينة مليلة .

 

الحرب العالمية الأولى

تقاسمت إسبانيا وفرنسا النفوذ في المغرب ، التي كانت تُعاني من ضعف وانقسام وصراع داخلي، واستعانة بالقوى الخارجية، وترتَّب على هذا التقسيم أن صار القسم الشمالي من مَرَّاكُش خاضعًا للسيطرة الإسبانية ، وهذا الجزء ينقسم بدوره إلى قسم شرقي يُعرف ببلاد الريف ، وغربي يُعرف بالجبالة ، و تمتدُّ بلاد الريف بمحاذاة الساحل لمسافة تبلغ 120 ميلًا ، و تمتدُّ عرضًا لمسافة 25 ميلًا ، و تسكنها قبائل ينتمي معظمها إلى أصل بربري ، تأتي في مقدمتها قبيلة بني و رياغل ، التي ينتمي إليها الأمير الخطابي .

 

انخرط عبد الكريم الخطابي في النظام الحكومي الإسباني ، وعُيـِّن كبير قضاة مليلة في عام (1332هـ= 1914م) ، و أثناء الحرب العالمية الأولى عاقبت السلطات الإسبانية عبد الكريم لأنشطته المناهضة للاستعمار بتهمة التآمر مع القنصل الألماني د/ ?التر زشلن ، وسـُجن في شفشاون من عام 1916م إلى عام 1917م ، وبنهاية الحرب استعاد عبد الكريم الخطابي منصبه لفترة قصيرة، إلَّا أنه خوفًا من تسليمه للفرنسيين لنيل عقابه منهم، سرعان ما عاد إلى بلدته أغادير في يناير (1919م= 1337هـ)، وقد أزعجه ظهور العملاء الإسبان في منطقة بني ورياغل، وصمَّم على القتال للاستقلال، وكان ثمة سبب آخر للاستفزاز؛ وهو فقدانه راتبه واستبعاد السلطات الإسبانية له من كونسورتيوم (1) غير رسمي لحقِّ التنقيب عن المعادن ، و في العام التالي بدأ عبد الكريم مع والده وأخيه حربَ التمرُّد ضد الإسبان ، و قد أصبح هدفه آنذاك توحيد كل قبائل الريف في جمهورية الريف المستقلَّة .

 

حرب الريف

كان الأمير الخطابي في التاسعة و الثلاثين حين تولَّى مقاليد الأمور في منطقة الريف ، و قد حَنَّكَتْهُ التجارِب و أصقلته الأيام ، و وَحَّد هدفه ، فاستكمل ما كان أبوه قد عزم عليه من مواصلة الجهاد، وإخراج الإسبانيين من البلاد .

 

وفي تلك الأثناء كان الجنرال سلفستر قائد قطاع مليلة يزحف نحو بلاد الريف؛ لِيُحْكِمَ السيطرة عليها، ونجح في بادئ الأمر في الاستيلاء على بعض المناطق ، وحاول الأمير عبد الكريم الخطابي أن يُحَذِّرَ الجنرال سلفستر من مغبَّة الاستمرار في التقدُّم ، و الدخول في مناطق لا تعترف بالحماية الإسبانية الأجنبية ، لكنَّ الجنرال المغرور لم يأبه لكلام الأمير ، و استمرَّ في التقدُّم ممنِّيًا نفسه باحتلال بلاد الريف .

كانت قوَّات الجنرال الإسباني تتألَّف من أربعة وعشرين ألف جندي؛ مُجَهَّزِين بالأسلحة و المدفعية ، و لم تُصادف هذه القوَّات في زحفها في بلاد الريف أيَّ مقاومة ، و اعتقد الجنرال أن الأمر سهلًا، وأعماه غرورُه عن رجال عبد الكريم الخطابي الذين يعملون على استدراج قوَّاته داخل المناطق الجبلية المرتفعة ، و استمرَّت القوات الإسبانية في التقدُّم وتحقيق انتصارات صغيرة ؛ حتى احتلت مدينة أنوال في (7 من رمضان 1339هـ = 15 من مايو 1921م ) .

 

معركة أنوال

بعد ذلك بدأ رجال عبد الكريم الخطابي هجومهم على كل المواقع التي احتلَّهَا الإسبانيون ، و حاصروا هذه المواقع حصارًا شديدًا ، وفشل الجنرال في ردِّ الهجوم ، أو مساعدة المواقع المحاصَرَة ، وأصبحت قوَّاته الرئيسيَّة -التي جمعها في «أنوال» - مُهَدَّدة ، بعد أن حاصرها وطوَّقها رجال الريف، وحين حاول الانسحاب بقوَّاته اصطدم بقوَّات الخطابي في (16 من ذي القعدة 1339هـ= 22 من يوليو 1921م) في معركة حاسمة عُرفت بمعركة أنوال، و كانت الهزيمة الساحقة للقوات الإسبانية ؛ حيث أُبيد معظم الجيش المحتلّ ، و أقرَّ الأسبان بأنهم خسروا في تلك المعركة 15 ألف قتيل يتقدَّمهم الجنرال سلفستر ، و وقع في الأسر 570 أسيرًا، وهذا غير الغنائم من الأسلحة التي وقعت في أيدي المجاهدين .

 

ما إن انتشر خبر انتصار الخطابي ورجاله في معركة أنوال ، حتى هبَّت قبائل الريف تُطارد الأسبان أينما وُجدوا، و لم يمضِ أسبوعٌ إلَّا وقد انتصر الريف عليهم ، و أصبح وجود الأسبان مقتصرًا على مدينة تطوان و بعض الحصون في منطقة الجبالة .

 

من الثورة إلى بناء الدولة

بسط الأمير عبد الكريم الخطابي سلطته على بلاد الريف بعد جلاء الأسبان عنها، واتَّجه إلى تأسيس دولة مُنَظَّمة دون أن يتنكَّر لسلطان مَرَّاكُش، أو يتطلَّع إلى عرشه؛ بدليل أنه منع أنصاره من الدعاء له في خطبة الجمعة. وأعلن الخطابي أن أهداف حكومته تتمثَّل في عدم الاعتراف بالحماية الفرنسية على المغرب، وجلاء الأسبان من المناطق التي احتلُّوها، وإقامة علاقة طَيِّبَة مع جميع الدول، والاستعانة بالخبراء الأوربيين في بناء الدولة، وقام بتحويل رجاله المقاتِلين إلى جيش نظامي على النسق الحديث، وعَمِل على تنظيم الإدارة المدنية، وقام بشقِّ الطرق، ومدِّ سلوك البرق والهاتف، وأرسل وفودًا إلى العواصم العربية للحصول على تأييدها، وطلب من بريطانيا وفرنسا والفاتيكان الاعتراف بدولته .

 

و فوق ذلك كله دعا إلى وضع دستور تلتزم به الحكومة ، و تمَّ تشكيل مجلس عامٍّ عُرف باسم الجمعية الوطنية ، كان أوَّل قراراته إعلان الاستقلال الوطني ، و تأسيس حكومة دستورية لقيادة البلاد .

 

صدى الهزيمة في إسبانيا

كان من أثر هذه الهزيمة المدوية للأسبان أن قام انقلاب عسكري في إسبانيا بقيادة بريمودي ريفيرا سنة (1342هـ= 1923م) ، لكن هذا لم يُغَيِّر من حقيقة الأوضاع بالنسبة للمغرب، فلم تُعلن الحكومة الجديدة إنهاء احتلالها للمغرب ؛ هذا الذي دعا الأمير الخطابي إلى مواصلة الجهاد ضدَّها ؛ فقام بهجوم سنة (1342هـ = 1924م) على مدينة تطوان ، لكنها لم تسقط في يده على رغم من وصول جنوده إلى ضواحيها ، و اضطرت القوات الإسبانية إلى الانسحاب من المناطق الداخلية ، و التمركز في مواقع حصينة على الساحل، كما أنها أخلت مواقعها في إقليم الجبالة في أواخر سنة (1343هـ = 1924م) بعد أن ثبت لها عجزها عن الاحتفاظ بهذا الإقليم أمام هجمات الأمير الخطابي .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين