قادة غيروا الدنيا سعد بن ابي وقاص

 

 

سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه من أوائل من دخلوا في الإسلام، وكان عمره عندئذ سبعة عشر عاما، ولم يسبقه في الإسلام إلا أبو بكر الصديق وعلي بن أبي طالب وزيد بن حارثة، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة.

 

 نشأة سعد بن أبي وقاص

وُلِدَ سعد بن أبي وقاص في مكة سنة 23 قبل الهجرة، نشأ سعدٌ في قريش من سادة العرب وأعزِّهم، واشتغل في بري السهام وصناعة القسيِّ، وهذا عمل يُؤَهِّل صاحبه للائتلاف مع الرمي، وحياة الصيد والغزو، وكان يمضي وقته وهو يُخالط شباب قريش وسادتهم، ويتعرَّف على الدنيا من خلال معرفته على الحجيج الوافد إلى مكة المكرمة في أيام الحجِّ ومواسمها المتباينة الأهداف والمتنوعة الغايات.

 

نسب سعد بن أبي وقاص الشريف

أبوه ابن سيد بني زهرة: مالك بن وهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة عامر بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. ومالك هذا هو ابن عم آمنة بنت وهب أم رسول الله –صلى الله عليه وسلم، وخال حمزة وصفية ابني عبد المطلب.

أُمُّه: حمنة بنت سفيان بن أمية الأكبر بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة عامر بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.

فهو من بني زهرة أهل آمنة بنت وهب أُمِّ الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فقد كان الرسول يعتزُّ بهذه الخُئُولة، فقد ورد أنه كان جالسًا مع نفر من أصحابه فرأى سعد بن أبي وقاص مقبلاً، فقال لمن معه: «هَذَا خَالِي فَلْيُرِنِي امْرُؤٌ خَالَهُ» (1).

 

إسلام سعد بن أبي وقاص

دخل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه الإسلام وهو ابن سبع عشرة سنة، وكان إسلامه مبكِّرًا، ويتحدث عن نفسه فيقول: «.. وَلَقَدْ مَكَثْتُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ، وَإِنِّي لَثُلُثُ الإِسْلاَمِ (2). يعني أنه كان ثالث أوَّل ثلاثة سارعوا إلى الإسلام، وقد أعلن إسلامَه مع الذين أعلنوه بإقناع أبي بكر الصديق إيَّاهم؛ وهم: عثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة بن عبيد الله.

 

محاولات ردّه عن الإسلام

أخفقت جميع محاولات ردِّه وصدِّه عن الإسلام؛ فلجأت أُمُّه إلى وسيلة لم يكن أحدٌ يشُكُّ في أنها ستَهزم رُوح سعدٍ وتردُّ عزمه إلى وثنية أهله وذويه، لقد أعلنت أُمُّه صومها عن الطعام والشراب؛ حتى يعود سعدٌ إلى دين آبائه وقومه, ومضت في تصميم مستميت تواصل إضرابها عن الطعام والشراب حتى قاربت على الهلاك. وحين كانت تُشرف على المو، أخذه بعض أهله إليها ليُلقي عليها نظرة وداعٍ؛ آملين أن يرقَّ قلبه حين يراها في سكرة الموت. وذهب سعد ورأى مشهد أُمِّه وهي تتعذَّب، ولكن إيمانه بالله ورسوله كان قد تفوَّق على كل شيء، وقال لها: «تعلمين والله يا أُمَّة لو كانت لكِ مائة نفس، فخرجت نفسًا نفسًا ما تركتُ ديني هذا لشيء، فكُلِي إن شئت أو لا تأكلي». وعدلت أُمُّه عن صومها، ونزل الوحي يُحَيِّي موقف سعد، ويُؤَيِّده فيقول: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [لقمان:15].

 

مكانة سعد بن أبي وقاص عند رسول الله

عن سعيد بن المسيب ، عن سَعدٍ رضي الله عنه، قال: قُلْتُ: يا رسول الله! مَنْ أنا؟ قال: «سَعْدُ بْنُ مَالِكِ بْنِ وُهَيْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ، مَنْ قَالَ غَيْرَ هَذَا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ (4).

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: أَرِقَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فقال: «لَيْتَ رَجُلًا صَالِحًا مِنْ أَصْحَابِي يَحْرُسُنِي اللَّيْلَةَ». قالت: فسمعنا صَوْت السِّلاح، فقال رسول الله: «مَنْ هَذَا؟». قال سعد بن أبي وقاص: أنا يا رسول الله! جئتُ أحرسك. فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعتُ غَطِيطَهُ (5).

وقال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: اشتكيتُ بمكة، فدخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني، فمسح وجهي وصدري وبطني، وقال: «اللَّهُمَّ اشْفِ سَعْدًا».

فما زِلْتُ يُخَيَّلُ إليَّ أَنِّي أَجدُ برد يده صلى الله عليه وسلم على كبدي حتى الساعة (6).

 

الدعوة المجابة

كان سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه إذا رمى عدوًّا أصابه، وإذا دعا اللهَ دعاءً أجابه، وكان الصحابة يردُّون ذلك إلى دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم له: «اللَّهُمَّ سَدِّدْ رَمَيْتَهُ، وَأَجِبْ دَعْوَتَهُ» (7). ويُرْوَى أنه رأى رجلاً يسبُّ طلحة وعليًّا والزبير فنهاه فلم ينتهِ، فقال له: «إذن أدعو عليك». فقال الرجل: «أراك تهدِّدني كأنك نبي!». فانصرف سعدٌ وتوضَّأ وصلَّى ركعتين، ثم رفع يديه قائلاً: «اللهم إن كنتَ تعلم أن هذا الرجل قد سبَّ أقوامًا سبقت لهم منك الحسنى، وأنه قد أسخطك سبُّه إيَّاهم، فاجعله آية وعبرة». فلم يمضِ غير وقت قصير حتى خرجت من إحدى الدُّور ناقة نادَّة (شاردة) لا يردُّها شيء، حتى دخلت في زحام الناس، ثم اقتحمت الرجل فأخذته بين قوائمها، وما زالت تتخبَّطه حتى مات.

 

جهاد سعد بن أبي وقاص

يُعتبر سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أول مَنْ رمى بسهم في سبيل الله، وأنه الوحيد الذي افتداه الرسول صلى الله عليه وسلم بأبويه؛ فقال له يومَ أحد: «ارْمِ سَعْدُ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي». ويقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ما سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يفدي أحدًا بأبويه إلا سعدًا، فإني سمعته يوم أحد يقول: «ارْمِ سَعْدُ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي» (8). وقد كان سعد يُعَدُّ من أشجع فرسان العرب والمسلمين، وكان له سلاحان: رمحه ودعاؤه، وكان مجاهدًا في غزوة بدر، وشارك في غزوة أحد ، وتفرَّق الناس أول الأمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقف سعد يُجاهد ويقاتل، فلمَّا رآه الرسول صلى الله عليه وسلم يرمي جعل يُحَرِّضه ويقول له: «يا سَعْدُ؛ ارْمِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي». وظلَّ سعدٌ يفتخر بهذه الكلمة طوال حياته.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين