في نقاط.. مفردات العنف الأسري في الاتفاقيات الدولية

يستقر تعريف كلمة (العنف) في الوجدان العربي والمسلم بأنه: الشِّدّة، والقسوة، ومجانبة الرفق في القول والعمل... إلخ؛ وبناء على تلك الخلفية الثقافية يستنكر كل ذي لب وكل ذي منطق سليمِ (العنف)، ويرفضه شكلاً وموضوعًا، خاصة إذا كان موجهًا نحو المرأة؛ ذلك المخلوق الرقيق الذي أوصى به رسول الرحمة صلى الله عليه وسلم حين قال: "رويدك بالقوارير". (رواه البخاري).

لكن في المواثيق الدولية الخاصة بالمرأة والطفل -والتي تصدرها الأمم المتحدة- يحمل مصطلح العنف ضد المرأة -والمصطلحات المشتقة منه- مضامين أخرى مختلفة تمامًا عما هو مستقر في الوجدان العربي والمسلم، مضامين تثير الدهشة والغرابة، بل والصدمة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية, فمن الأمور التي تراها مواثيق الأمم المتحدة عنفًا ضد المرأة ويجب وقفه فورًا ما يلي:

أولاً- فرض القيود على الحرية في الجسد، وتتمثل في:

1- العذرية، حيث تصف وثائق الأمم المتحدة التمسك بعذرية الفتاة بالـــ(العنف والكبت الجنسي)، وكذلك تصفه بالعنف ضد الطفلة الأنثى.

2- منع وصول خدمات الصحة الإنجابية للمراهقين، والتي تتمثل في إتاحة وسائل منع الحمل والتدريب على استخدامها، وإباحة الإجهاض كوسيلة للتخلص من الحمل غير المرغوب فيه، والتعقيم، ومنع ذلك كله تعده الاتفاقيات الدولية عنفًا ضد الفتاة المراهقة.

3- المعاقبة على الشذوذ الجنسي، حيث يعد إجبار الفتاة على أن تبقى أنثى مدى الحياة (عنفًا ضد الطفلة الأنثى)، وبالمثل الإصرار على تزويجها من ذكر. أما اللاعنف فهو أن يُترك لها حرية اختيار جنسها، وبالتالي حرية اختيار جنس الشريك، أي أن تصير طبيعية في ممارستها الجنسية أو سحاقية.

4- عدم السماح للمراهقات الحوامل بالاندماج في التعليم النظامي، حيث تعتبره الأمم المتحدة عنفًا ضدهن، وبالتالي تلحّ الاتفاقيات الدولية على ضرورة إدماج المراهقات الحوامل في التعليم النظامي.

ثانيًا- الزواج تحت سن الثامنة عشرة:

في حين لا تعتبر الاتفاقيات الدولية ممارسة العلاقة الجنسية خارج نطاق الزواج عنفًا، بل وتدعو في كثير من بنودها إلى تيسر تلك العلاقة، وحفظ سريتها وخصوصيتها، فإنها تنص على منع الزواج قبل سن الثامنة عشر، وتعتبره عنفًا ضد الأنثى.

ثالثًا- مهر العروس:

على الرغم من أن المهر يعد هدية لا تُردُّ من الزوج لزوجته من قبيل تكريمها، وإدخال السرور عليها، وليس مقابل تمتُّعه بها، فالإحصان هدف أساس يتحقق للطرفين بالزواج، فإن الوثائق الدولية تعتبره عنفًا ضد المرأة، وتطلق عليه ثمن العروس؛ وبالتالي فإنها تطالب بإلغائه.

رابعًا- عمل الفتاة في بيت أهلها:

بالرغم من أن الوثيقة الأساسية لمنظمة العمل الدولية تنص على أن مساعدة الأبناء لذويهم في أعمال المنزل لا تعتبر عمالة أطفال، إلا أن لجنة المرأة بالأمم المتحدة تعتبر عمل الفتاة في بيت أهلها عنفًا ضدها، وتحاول جاهدة الضغط على منظمة العمل الدولية كي تدرجه ضمن (أسوأ أشكال عمالة الأطفال)؛ وبالتالي تجريمه دوليًا.

خامسًا- تباين الأنصبة في الميراث:

تعتبر المواثيق الدولية الحالات التي يرث فيها الذكر أكثر من الأنثى شكلاً من أشكال العنف ضد المرأة؛ ولذا فإن المساواة التامة بين الرجل والمرأة في الميراث من المطالبات الأساسية التي تسعى هذه الوثائق إلى تحقيقها، متخذة في ذلك منهجًا تدريجيًا؛ ليقينها أنها ستلقى معارضة شديدة من الشعوب المسلمة؛ لذا تدفع المنظمات النسوية في البلاد المختلفة إلى المطالبة بذلك من باب تهيئة المناخ لتقبل هذا الأمر الذي يخالف النصوص القرآتية القطعية.

سادسًا- الأدوار الفطرية لكل من الرجل والمرأة (داخل الأسرة):

تعتبر الاتفاقيات الدولية ارتباط دور الأمومة ورعاية الأسرة بالمرأة تمييزًا وعنفًا أسريًا ضدها، مطلقة على الأدوار الفطرية لكل من الرجل والمرأة مصطلح (الأدوار النمطية)، ثم طالبت بضرورة القضاء على تلك (الأدوار النمطية)، بمعنى توحيد الأدوار داخل الأسرة ليتم اقتسامها مناصفة بين الرجل والمرأة. وبناء على ذلك فإنها تعتبر اختصاص كل من الرجل والمرأة بأدوار معينة داخل الأسرة تمييزًا وعنفًا ضد المرأة، ومن أمثلة ذلك:

1- تطلق على قوامة الرجل في الأسرة (الهياكل الطبقية في إدارة البيت)، والتي تمنح الحقوق والقوة للرجل أكثر من المرأة، وتجعل من النساء والفتيات ذليلات تابعات للرجل، وبالتالي تعتبر قوامة الرجل عنفًا ضد المرأة.

2- تطلق الوثائق على إنفاق الرجل على أسرته (الاعتماد الاقتصادي للمرأة على الرجل)، وتعتبره السبب الرئيسي في العنف ضد المرأة، وبالتالي طالبت بضرورة أن تتخفف المرأة من أعبائها المنزلية؛ لكي تتاح لها فرصة الخروج والعمل خارج المنزل لتتقاضى بعض المال، وتستقل اقتصاديًا عن الرجل.

3- تعتبر اشتراط موافقة الزوج على السفر والخروج والعمل عنفًا وتقييدًا للمرأة.

4- تعتبر معاشرة الزوج لزوجته -إذا لم يكن بكامل رضاها- عنفًا واغتصابًا زوجيًا، وتنادي بأن ينص القانون على معاقبة الزوج في هذه الحالة بعقوبة تتراوح بين السجن والغرامة.

5- تعتبر مشاركة الزوج لزوجته في قرار الإنجاب عنفًا ضدها، حيث تعتبر أن جسد المرأة ملك لها وحدها؛ ومن ثم فإن قرار الإنجاب من عدمه يخصها وحدها، ولا دخل لزوجها فيه.

6- تنكر الاتفاقيات تمامًا حق الزوج ردع الزوجة الناشز(2)، وتعده عنفًا يجب القضاء عليه، في تجاهل تام لأثر ذلك النشوز في تفكيك وهدم الأسرة، بما يعود بالأذى والضرر البالغين على الأبناء باعتبارهم المتضرر الأول من تدمير الأسرة وانفكاكها.

سابعًا- الولاية على الأبناء:

1- تأديب الأبناء، تنكر الوثائق الدولية على الآباء حقهم في تأديب الأبناء، وتعتبر أي نوع من أنواع الإيذاء النفسي أو البدني -بمعناه الواسع- عنفًا ضد الطفل، ثم لابد من وجود خط ساخن يستطيع من خلاله الابن أن يشكو والده الذي ضربه أو نهره أو منعه من شيء هو يرغبه، ومن ثم فمن يجترئ على إتيان أيًا من هذه الأفعال السابقة، فقد يفقد ابنه إلى الأبد، حيث ينتزع منه، ويوضع لدى أسرة بديلة لا تأمره ولا تضربه، وفقًا لما تراه المواثيق الدولية.

2- الولاية على الابنة البكر في الزواج، وتطالب الوثائق الدولية برفع تلك الولاية، وإعطاء الفتاة مطلق الحرية في الزواج بمن تشاء، دون أي ولاية من أي فرد، بدعوة المساواة بينها وبين أخيها الذكر.

ثامنًا- في الطلاق:

حيث تعتبر الاتفاقيات الدولية الصورة التي يتم بها الطلاق في الشريعة الإسلامية عنفًا ضد المرأة، ومن أشكال هذا العنف وفقًا للأمم المتحدة:

1- التطليق بالإرادة المنفردة للزوج, والتطليق الغيابي.

2- وفي الخلع، إلزام الزوجة برد المهر.

3- عدم اقتسام الممتلكات بعد الطلاق.

4- عدم احتفاظ الأم بأبنائها في حال زواجها بآخر بعد الطلاق.

5- عدم احتفاظ الأم بأبنائها في حال اختلاف دينها أو ردتها.

تاسعًا- تعدد الزوجات:

اعتبر صندوق الأمم المتحدة للسكان تعدد الزوجات مجرد (عادة)، وطالب بتعديلها, وغير خاف ما يتم طرحه الآن في الدول الإسلامية من مشروعات لقوانين أو تعديلات في قوانين الأسرة تضيّق التعدد، وتحصره في أضيق نطاق، إن لم تمنعه بالمرة.

وختامًا.. فإن مصطلح (العنف الأسري) يعد البوابة الذهبية لتذويب الثقافات والحضارات، وإلغاء الخصوصيات الحضارية لصالح الطرف الأقوى، والعالم الإسلامي على رأس المستهدفين؛ ذلك لأن الثقافة الإسلامية التي تشكل هوية الأمة الإسلامية مستمدة بالأساس من دينها العظيم، ومن ثم فإن استهداف الثقافة يعني بشكل مباشر استهداف الدين؛ لأنهما ليسا مفصولين.

[1] عضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ومستشار المعهد العالمي للأسرة في إسطنبول- تركيا، ومتخصصة في قضايا الأسرة والمواثيق الدولية.

[2] والنشوز في اصطلاح الشرع هو امتناع المرأة من أداء حق الزوج أو عصيانه أو إساءة العشرة معه، ومنه: إمتناع المرأة عن المعاشرة في الفراش، مخالفة الزوج وعصيانه فيما نهى عنه كالخروج بدون إذنه، ترك طاعة الزوج فيما أمر به، وكان من المعروف كخدمته والقيام على مصالحه وسائر حقوقه وتربية ولده، سوء العشرة في معاملة الزوج والتسلط عليه بالألفاظ البذيئة.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين