في ظلال أسماء السور (3) الكهف ... الحشر

لم أقصد القول إن هاتين السورتين تشكلان بينهما قواسم ومحاور مشتركة، لكن كان المقصود التفكير بصوت عال بشأن كل منهما على حدة ضمن برقيات سريعة علّها تثير نوعاّ من النقاش والعصف الذهني.

أولاً: الحشر .. والغيتو

يتضمن الحشر في المعاجم معنى تحريك لجماعة أو جماعات نحو مكان آخر وجمعهم فيه بشكل مكثف يؤدي إلى شيء من الضيق.

وفي اللغة فإن الكلمات التي تبدأ بحرفي الحاء والشين تتضمن معاني الضم والانقباض المادي أو المعنوي، ويشمل تضام الأشياء والأفراد إلى بعضها، كما يشمل انقباض الشيء الواحد بانجماعه إلى الداخل، في مثل مفردات: الحشو، والحشّ، والحشد، والحشف، والحشم.

وحديث السورة عن عقاب الله بني النضير من أهل الكتاب، بإخراجهم من ديارهم لأول الحشر، فهمه المفسرون بأكثر من طريقة تتآزر ولا تتنافر.

منها وربما أقواها: جمعهم في بلاد الشام، فهذا الحشر هو بداية، ولا بد له من آخر ونهاية، تفسرها آيات الإسراء.

وهناك من فهمها على أن هذا سيكون الحشر الأول وسيتبعه حشر، وحشر، وحشر، في أزمان وأمكنة متعددة، قد تمتد إلى يوم القيامة.

وقد يشهد لهذا تعليل الآيات لهذه العقوبة ( ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاق الله فإن الله شديد العقاب)، وهذا سلوك وصفة ملازمان لتلك الجماعة البشرية.

وتحدثت السورة الكريمة عن الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم، كما أكدت أنه لو أنزل هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله، وفي ذلك تعريض بأولئك الذين قست قلوبهم فهي كالحجارة أو أشد قسوة.

ويمكن أن نفهم من آيات السورة أن الحشر الذي يعاقبون به حشران: الأول، الحشر الخارجي، الذي قد يكون من تجلياته في أوروبا ما عرف باسم الغيتو.

والثاني أن هذا الحشر وهذا الغيتو قد أصبح سمة نفسية وجزءا من الشخصية التي تعيش حالة القلق وعدم الإحساس بالأمن، وقد عبرت عنه الآية بالقول: ( لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر).

وأدنى ملاحظة لما تقوم به دولة الاحتلال من تحصين مستعمراتها، وأقامة الجدران بينها وبين الفلسطينيين، بل وعلى الحدود مع الدول العربية، وكذلك تطبيق حالة الغيتو على الفلسطينيين، كلها تؤكد أن الغيتو، ليس مجرد حشر خارجي بل إنهم يعيشون نفسية وعقلية الغيتو.

إن وجود سورة في كتاب الله الخالد باسم الحشر، يشير إلى أن هذا الأمر لم يكن حدثا آنياً، وإنما هو عقوبة طويلة الأمد باقية ما بقي من يتلو هذا القرآن.

ثانيا: الكهف والموحدون المطاردون

وقد سبق لكاتب هذه السطور أن تحدث عنها منذ العام 2007 في مقالة بعنوان: الوحدة الموضوعية في سورة الكهف، في مجلة الإسراء، وقد نشرت على الشبكة العنكبوتية وفي الفيس بوك.

ومن جهة أخرى فقد ذهب أستاذنا الشيخ بسام جرار إلى أن كهف سورة الكهف يقع تحت قبة الصخرة، وهو نظر يعزز فكرة أقدمية المسجد الأقصى والتفاف المؤمنين حوله، انسجاماً مع الحديث الشريف أن المسجد الأقصى قد أقيم بعيد إقامة المسجد الحرام بأربعين سنة.

والجديد الذي يراودني منذ مدة، أن قصة أصحاب الكهف والرقيم، التي جاءت في الكتاب العزيز، لم تكن حدثاً منفرداً معزولاً، وأنها ربما كانت نموذجاً لحالات عديدة في التاريخ الإنساني، يطارَد فيها الدعاة والموحدون، من الجبابرة المشركين فيضطرون إلى اللجوء إلى المغائر والكهوف هرباً بدينهم.

وإذا كانت سورة الكهف قد تحدثت عن أصحاب الكهف والرقيم وهو كما يبدو ألواح أو ما يشبهها تتضمن تعاليم الوحي، فإن هذه المقالة تفترض أن تحتوي الكهوف المكتشفة وغير المكتشفة، وثائق ونقوشات عن هؤلاء الموحدين، أو المعارضين الدينيين.

الحلقة الثانية هنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين