في سادس أعوام الثورة .. هل ستحاصر حلب

 

أيام فقط تفصلنا عن الذكرى الخامسة للثورة، لتبدأ ثورتنا الفتية عامها السادس بكامل حيويتها وعنفوانها، وكأنها بدأت منذ أيام فقط .

فهاهم شباب الثورة ورجالاتها ونساؤها وشيبها يشعلون جذوتها من جديد على امتداد سورية المحررة، لتعود هتافاتها الأولى ومطالبها الأصيلة تصدح في كل مكان: حريةً وكرامة .

ستة أعوام من التحديات، والآلام والآمال، وحلقات الفرج تضيق على الشعب السوري في كل مكان، وثمة تساؤلات تطرح يوماً بعد يوم، ولا إجابات تشفي صدور سائليها .

“الصمود وحده لا يكفي” هكذا قال لي أحدهم وهوم يحدثني عن ترقبه لحصار مدينته حلب .

في كل ما يفرحك اليوم، لا تستطيع تجاوز غصة الحصار القادم، لا تستطيع تجاهله وأنت تراه في أعين الناس كشيءٍ يستعصي على الإجابة . شيءٌ يتخوفون منه كأنه الموت القادم على موعدٍ ما .. لا يعرفونه، وكم يأملون أن يسبقه الموت نفسه إلى أرواحهم .

تحضرك في كل ساعةً صور لقرى وبلدات ومناطق شاسعة خسرتها الثورة في أيامها الأخيرة في الشمال والجنوب والشرق والغرب .

تحضرك وأنت تقلب عبارات الأمل بين شفتيك أسماء مئات الفصائل والتيارات والتشكيلات والجماعات التي ملأت ساحة وطنك الصغيرة، حتى أنك أنت لم تعد قادراً على لمِّ شتات نفسك حينما تجدها ممزقة في حب كل هؤلاء وتقديرهم وبغضهم في آن معاً .

يحضرك في دعائك في بداية عام جديد آلاف الشهداء الذين ما عدت تذكر أسماؤهم، وثقل الأمانة التي تركوها في عنقك، وتشتهي لو أنك تستطيع أن تتجاوز هذه الأمانة للأبد وتلقيها في ذلك البحر الذي يأكل أرواح الهاربين.

تحضرك ابتسامات مئات الأطفال الذين تصدفهم في طريقك كل يوم، وكأنهم يعاهدونك على حفظ مستقبلهم من ضياع وطن أصبح بين أيدي الكبار لا يختلف عن ألعابهم التي يمزقونها في كل ساعة .

لا تنتهي أشياؤك تلك، وأنت تحاول أن تستجدي ما تبقى لديك من إيمان وأمل، علّ شيئاً يحدث فجأة على النحو الذي يشتهيه ملايين المعذبين من أمثالك .

علّهم يصحون بلا ألقاب ولا أسماء، علّهم يتقنون قول لا من أجلك، وقول نعم من أجلك أنت، علّهم يتوحدون، أو يموتون على الأقل . فلم يعد هذا الوطن وساكنيه يحتملون خلافاتهم .

مستعدون نحن لبذل المزيد من الدماء، مستعدون للمزيد من الموت، مستعدون حتى لهذا الحصار القادم، ولكن لا بد أن تكونوا أنتم، يامن سميتم نفسكم بأسمائنا، أن تكونوا مستعدين لأن تستحقوا هذه التضحيات .

التاريخ لن يكتب كل ما تشتهون، فكونوا على قدر الأمانة حتى لا يخذلكم كل من آمن بكم أول مرة .

عندها فقط لن تحاصر حلب، حتى ولو اجتمع عليها كل زبانية العالم، لن تحاصر أبداً مالم تقدموها أنتم للحصار .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين