في ذكرى سقوط بغداد.. حتى لا ننسى!

 

في مثل هذه الأيام، قبل ثلاثة عشر عاماً، دخلت قوات الاحتلال الأمريكي بغداد الرشيد مزهوّة بنصرها على بلد تعرض لحصار جائر مميت أكثر من عقد من الزمان، متباهية بانتصار غادر على بلد اضطر لتدمير صواريخه وأسلحته بقرارات أممية المظهر، أمريكية الحقيقة والمخبر؛ ليستطيع أن يتحصل على حليب لأطفاله، ودواء لمرضاه.

دخلت أمريكا إلى العراق، واحتلته، متجاوزة القانون الدولي، تحت زعم أن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل، ويدعم القاعدة، وهو ما تبين لاحقاً أنها ادعاءات كاذبة، هدفت إلى التغطية على الاحتلال وأهدافه في تدمير العراق إنساناً وبنياناً، وفي تفتيته، والسطو على مقدراته وثرواته.

من الأمور المثيرة للألم الدامي: أن العراق الذي يموت فيه، إلى حد الساعة، أطفال من الجوع؛ لنقص الغذاء والمرض، للافتقار للدواء، كما يحصل الآن في الفلوجة وغيرها، ما زال حتى الآن يدفع تعويضات غزو قواته للكويت، والذي استمر أشهراً معدودات، على الرغم من اعتبار أن صدام حسين كان حاكماً ديكتاتوراً بالرؤى الأمريكية الغربية، والتي سمحت بإزالته من الحكم، في حين لا تدفع أمريكا أي تعويضات عن احتلال قامت به حكومة منتخبة، وساندها مجلس نواب منتخب، بحجج كاذبة، وذرائع مزيّفة، واستمر الاحتلال وتوابعه إلى الآن في تدمير العراق ومقدراته وثرواته، وصناعة مجتمع يسود فيه الترمل واليتم ومآس إنسانيَّة، وفي القضاء على مستقبل جيل كامل تعليمياً ومهنياً ونفسياً.

تعمدت الولايات المتحدة في مرحلة ما قبل الاحتلال التهيئة لتقسيم العراق، وبدء تأجيجه طائفياً، وجرى الحديث المبالغ فيه عن اضطهاد الشيعة والأكراد، واستدعاء مأساة حَلَبْجة بعد سنوات من حصولها، وهو أمر يتكرر أمريكياً وغربياً بشكل مقزز؛ فاستخدام حقوق الإنسان أداة سياسية انتقامية بشكل انتقائي متى ما استدعتها الحاجة؛ هو واحد من أشد انتهاكات حقوق الإنسان.

وبعد الاحتلال الأمريكي ازدادت مظاهر التحريض الطائفي، وظهر ذلك بصفاقة في كتاب بول بريمر "عامي في العراق"، وكيف كان يقابل أئمة الشيعة؛ ليحدثهم عن مظلوميتهم، وعن فرصتهم للثأر التاريخي من السنة، وهكذا بدأت ما تسمَّى بـ"العملية السياسية"، بتزوير في أرقام التركيبة السكانية، وبالحديث عن مظلومية مزيفة، والأمر المثير للسخرية أن ورقة اللعب "الكوتشينة"، والتي أعلنتها الإدارة الأمريكية للمطلوبين من رجال صدام، ضمت 38 من أصل 52 كانوا من الشيعة.

سلّمت أمريكا العراق، في الظاهر، إلى زمرة من السياسيين الفاسدين، والمرتبطين بأجهزة أمنية إيرانية بشكل خاص، ودولية بشكل عام، بل إن بعضهم كان مطلوباً، كأحمد جلبي، في قضايا جنائية، كقضية بنك البتراء في الأردن.

دخل العراق في فترة ما قبل الغزو، وفيما بعده، مرحلة التجويع، وتحطيم الكرامة والإنسانية لغالبية مواطنيه، فيما كان وما زال يدفع مليارات التعويضات، وجلها في غير وجه حق، فيما تنهب الطبقة السياسية الفاسدة، والتي جاءت مع الاحتلال، ودانت له ولإيران بالتبعية والعمالة، عشرات، بل مئات المليارات، فيما لا يجد كثير من المواطنين من الطعام ما يسد رمق أطفالهم، ومن الدواء ما يداوي مرضاهم.

أما اللعبة الأكثر بشاعة وانحطاطاً في المشهد العراقي؛ فهي استخدام التطرف والإرهاب لإنهاء المقاومة العراقية الوطنية، ومن ثم الانتقال إلى تدمير البنى التحتية للمدن السنية، وتهجير أهلها، وتحويل قضيتهم إلى قضية إنسانية كبرى، مع إلغاء جيل كامل، وحرمان أطفاله وشبابه من العلم والتعلم، في بلد وصلت فيه يوماً نسبة المتعلمين والجامعين إلى صدارة دول العالم العربي والمنطقة.

وقد أصبح الحديث أكثر منطقية وتوثيقاً عن الدور الإيراني والأمريكي في اختراق قيادات تلك التنظيمات، وعلى رأسها داعش، واستخدامها كمشرط جراحي لتغيير الجغرافيا والديموغرافيا في المنطقة، وما حصل في مسرحية الموصل، على سبيل المثال، من تسليم داعش أسلحة أمريكية متطورة، وسيولة مالية ضخمة؛ للتضييق على خيارات عموم السنة، بين العيش تحت كنف مجاهيل مجانين بالقتل والدم، أو الحياة كمواطنين من الدرجة العاشرة في كيان طائفي بغيض.

وإذا تجاوزنا الجدال والنقاش عن داعش ومن يقف وارءها، فإن حقيقة أن العراق والمنطقة لم تعرف القاعدة وداعش، لا فكراً ولا ممارسة ولا وجوداً، قبل الاحتلال الأمريكي البغيض، كفيلة بتحميل الأمريكيين وزر ما حدث ويحدث في المنطقة، ومسؤوليتهم القانونية والأدبية والإنسانية، وهو ما يستدعي مطالبة لا تتوقف من المفكرين، وعموم الأجيال القادمة عن اعتذار، وتعويضات أمريكية تصل إلى آلاف المليارات؛ جراء ما حدث من خراب ودمار وقتل وسفك دماء وتدمير مستقبل جيل، بل أجيال في العراق والمنطقة.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين