في السجن

تمّ الحكم على عشرة شباب بالسجن عشرين عاماً، ظلماً وعدواناً...ووُضع كل خمسة في سجن،في جزيرة نائية..

نزلاء السجن الأول، نصّبوا أميرا عليهم، فصار هذا الأمير يعطيهم دروسا يومية عن تفاصيل الطهارة و الصلاة والجهاد والغنائم وأهل الذمة والبيوع والربا وكيفية النظافة وترتيب الأسرّة وتمضية الوقت...فمضت عشرون عاماً نحلت فيه الأبدان، ووهن منهم العظم، واشتعلت الرؤوس شيباً، وبعد انقضاء المدة خرجوا مثقلين بالأمراض، فما لبثوا أن لبّوا نداء ربهم وأسلموا الروح لباريها..

نزلاء السجن الثاني نصّبوا أميرا عليهم، فبدأوا بدراسة الطرق التي يمكنهم من خلالها الخروج من السجن، ودرسوا فرص النجاح والفشل في كل طريقة، وتعرّفوا الامكانيات المتاحة، واختاروا أيسر الطرق للخروج وأسهلها، وبدأوا يتدربون على ذلك، باذلين أقصى جهودهم وأعظم طاقاتهم، فما إن يصلوا الفجر حتى يبدأوا السعي، ولا تُطوى أجفانهم مستسلمين للكرى الا بعد صلاة العشاء...

بعد سنة من العمل الدؤوب، أكملوا حفر النفق، وخرجوا منه الى سيف البحر، وتنشقوا عليل الحرية...

نحن - المسلمين - في أزمة كبيرة، بل قل في سجن كبير...والأغلبية المطلقة منا استسلمت لقدرها، كنزلاء السجن الأول الذين يتمثل جزء كبير منهم اليوم بالكليات الشرعية والمعاهد الدينية، وصرنا نتكلم عن أهل الذمة والجهاد والغنائم والربا والاقتصاد، وليس بيدنا من هذا شيء...

بينما الواجب على هذه الكليات أن تنصرف بكليتها لدراسة سنن الله في الكون، وهي السنن الغلابة القهارة الثابتة المطردة، التي لا تحابي مسلماً ولا تداري مؤمناً، فالسنن صارمة الحكم على أولياء الله وعلى أعداء الله على حد سواء...

وقد هضم الغرب هذه السنن، فورِث الأرض، لأنه الأصلح منا لقيادة الشعوب، فالأرض يرثها الصالحون، قيادةً وتنظيماً واستخداماً للطاقات وتسخيراً للنعم..

الخلافة العثمانية لم يسقطها المجرم أتاتورك، وإنما أعلن وفاتها فقط، بعد أن تنكبت سنن الله في قيادة الأمم...وهكذا الأمويون والعباسيون والأيوبيون و....

كفى تخريجا للمشايخ!!!!

أزمتنا أزمة فكرٍ لا أزمة فقه....

وآن لنا أن نتوقف عن تكرار حكاية نزلاء السجن الأول...

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين