فيتامين

إنّ "فيتامين دعوة" إذا سرى في عقل ووجدان كلّ مسلم، أنتج فيتامينًا مباركًا آخر هو "فيتامين دعاة"، فيتحوّل كل من يتلقى الدعوة، بأسلوب سليم، لينٍ حكيم، إلى داعية محب غيور رحيم، وتنتشر من خلالهم عدوى الدعوة، لإنقاذ الأرواح المتعبة والنفوس المحبطة.

سأذكر لكم اليوم قصة حقيقية، تُظهر إمكانية إنتاج "داعية"، بعد أخذ معيار بسيط من "فيتامين دعوة"..

جرى حفل تكريم ملاكم ألماني في إحدى العواصم الأروربية، وقبل انتهاء المراسم، اقتربت إحدى الأخوات، منتدبة من المركز الإسلامي هناك، وهي بكامل حجابها، وقدّمت للملاكم المكرّم هدية، وكانت عبارة عن ترجمة معاني القرآن الكريم باللغة الألمانية.

مرت عشرين سنة، واعتزل هذا الملاكم حلبة الملاكمة. وفيما هو جالس في بيته، يرتب مكتبته، وقع هذا الكتاب في يده، قرأ من أوله تفسير سورةِ الفاتحة، ثمّ قرأ من آخره تفسير سورة الإخلاص، شعر بانشراح صدر وسكون يملآن روحه.

خرج من بيته، وتوجّه إلى المركز الإسلامي، التقى بالموجودين هناك، سأل عن هذا الدين، فاطمأن قلبه، ونطق بالشهادتين.

لم يؤجل، ولم يتردد، لم يقل حتى أتقن العلم الشرعي، أو حتى أحفظ شيئاً من القرآن، بل من لحظة إسلامه، وبعد أن أحسّ بحلاوة الإيمان، سأل: ألا يوجد معكم مطويات ومنشورات وكتيبات تدعو للإسلام؟، قالوا: بلى يوجد. فقال بلهفةٍ وحماس: أعطوني، هاتوا كل ما عندكم، أريد أن أستغل ما بقي من عمري في الدعوة إلى الله.

خرج إلى ميدان عام، ووضع طاولةً أمامه عليها كل المنشورات، وبدأ الناس يجتمعون حوله، فهو شخصية معروفة مشهورة، يتقدم منه الواحد ليحصل على توقيعه، فيسلمه مطويةً أو كتيبًا ليتعرّف على الإسلام. ظلّ هكذا سنة كاملة، وأسلم على يده في هذه السنة مئة وأربعة أشخاص.

حبة مباركة من "فيتامين دعوة" أسهمت في انتاج داعيةٍ عظيم الهمة، رحيم القلب، طيب الأثر.. هدى الله به نفوسًا ضالة، فأنقذها، وساقها زمراً إلى رضوان الله..

(اقرؤوا إن شئتم قصص مماثلة لإسلام الرياضيين: مايك تايسون، فرانك ريبيري، كريم عبد الجبار، ويلي أوت، وغيرهم)

وحبة أخرى أعطاها داعية رزين، لشاب حائر، في موقف، قد نعتبره دردشة خفيفة، إذا ما قسناه بميزان جلساتنا الطويلة، لكن أثرها الطيب حمى قلباً، كان على حافة الغواية والنكوص..

في مناسبة اجتماعية، التقى شاب بداعية عرف عنه لطفه مع الناس، وتودده إليهم، فشجعه ذلك على أن يغتنم دقائق معه، لعله يجيبه عن سؤال أرقه زماناً، ولم يجد له إجابة تشفي صدره من الضيق الذي سببه.. قال مستأذناً: (هل يزعجك إن عرضت عليك مسألة تتعلق بي، دون أن أقطع عليك هذه المناسبة، وأرجو أن لا يضايقك تساؤلي؟)، أجابه: (على الرحب والسعة، بكل سرور)، قال الشاب: ( إن الذي يحصل حولنا مؤسف جداً، أفكر في كل هذه المآسي والأوجاع، وهذا البؤس المحيط بنا من كل جانب، ولا أفهم الحكمة منه! لا أفهم لماذا؟ ولأجل ماذا؟ وكيف يرضى الله أن نعاني ونتألم هكذا؟!)..

مدّ الداعية يده مربتاً على كتف الشاب، ثم تكلم بنبرة حانية قائلاً: ( لو أنني قلت لك أن أماً خلعت كتف ابنها الصغير، بم ستصفها؟)، أجاب الشاب: (أم قاسية ومؤذية!)، تابع الداعية كلامه: (لو أنني استدركت، فأخبرتك أن الطفل الصغير أفلت يد أمه في الشارع ، وركض باتجاه السيارات، فأسرعت الأم وراءه، وقبل أن تدهسه إحدى السيارات، شدّته من يده، لتنقذ حياته من موت محقق، فانخلع كتفه من قوة الجذب، بم ستصفها؟)، سكت الشاب لحظة، ثم تمتم: (أم شجاعة)، ابتسم الداعية، وعلم أن السائل قد فهم الحكمة، لكنه أراد أن يؤكدها، فختم الحديث بقوله: (إننا نرى مشهداً واحداً من القصة، ومشهد واحد لا يكفي لنحكم على الأحداث والأشخاص، وقد يحمل ألم الآن، أمل الغد، وربما سيكون الوجع حامياً لنا من نهاية، لا ينفع بعدها الندم)..

هاتان حبتان مباركتان من فيتامين "دعاة"، نكمل بعدهما عناصر هذا الفيتامين، ومسؤوليته في هذا الزمن الصعب..

تابعوا المقالة القادمة بإذن الله، لأن للحديث بقية..

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين