فوائد ومختارات من كتاب فصول اجتماعية للطنطاوي (1)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلي الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فهذه فوائد ومختارات من كتاب "فصول اجتماعية" لعلي الطنطاوي، المنشور عن دار المنارة- جدة، ط8- 2011.

1- من أقبح العادات:

عادة اصطحاب الأولاد إلى الزيارات من أقبح العادات، وهي قلة ذوق، وإذا كنت مولعا بولدك، تراه وردة الروض ونادرة الفلك، فإن الناس لا يرون فيه إلا جنِّيًا مزعجا.

وإذا كان عند أحد وليمة أو عرس ودعا إليها خمسين، جاؤوا معهم بخمسين ولدا، فتصير الدار مدرسة أولاد أو مارستانا (وهما بمعنى واحد)، ويصير أصحاب الدار هم المجانين سكان المارستان!. ص20.

2- أمران عرفتهما من التجرِبة:

وأنا أقرر أمرين عرفتهما من التجربة، لا أدري ماذا يقول فيهما علماء النفس، ولكني أدري أن علم النفس ما هو إلا مجموعة تجارب:

الأول: أن العادات يمكن تبديلها مهما تمكنت من الإنسان.

والثاني: أن كل عمل تعمله يكون -إذا واظبت عليه- بداية عادة جديدة. ص56.

3- كتاب "الإحياء":

كتاب "الإحياء" للغزالي فيه من أحوال النفس ما ليس في كتاب في الدنيا. ص63.

4- مرضى الأعصاب:

نقل الشيخ في مقالة "بحث في الأعصاب" عن الدكتور الأمريكي "آرنولد جاكسون" (وهو أكبر دكتور أمريكي متخصص في أمراض الأعصاب) قوله:

إن أكثر من نصف المرضى الذين يؤمون عيادات الأطباء يشكون الإمساك والصداع والقرحة وارتفاع ضغط الدم ليسوا مرضى في أجسادهم، ولكنَّ المرض في أعصابهم المرهقة، وهو يصف حالات كثيرة رآها، وأعجب من ذلك أنه رأى مرة بنتا بارعة الجمال جاء بها أهلها من بلد بعيد محمولة على محفة (نقَّالة) لأن في رجلها شللا أصيبت به من سنتين أعجزت مداواتَه أطباءُ بلدها، ويقول إنه رآها هو ومساعدوه فلم يجدوا في رجلها علة، فسدد نظرة خارقة إلى عيني البنت وقال لها بصوت قوي عميق لا يحتمل معارضة: قومي وامشي على رجليك، وخيم الصمت على الغرفة، وبدت على وجه الأب علائمُ الغضب المكتوم، وتكلمت الأم واحتجت، ولكنه ثبت، فاستجابت البنت ومدت يدها إليه فتناولها وأعانها على القيام، فمشت في الغرفة، ثم خرجت إلى الردهة وهو معها حتى أوصلها إلى باب المستشفى، وتركها تمشي وحدها في الشارع، وهو يعلل هذه الحالة التي تبدو كأنها من الخوارق بأنها كانت في الأصل مرضا وهميا سببه الأعصاب. ص86-87.

5- نُكتة قرآنية:

نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَعِيْشَتَهُم، انتبهوا؛ فإن ربنا ما قال: قسمنا (رزقهم)، بل (معيشتهم)؛ فالراحة في المعيشة قسمة والتعب قسمة، والضيق قسمة والسعة قسمة. ص97.

6-سبحان مقسم الأرزاق:

هل يغضب الموظفون على زميلهم الذي اعتمد لتوزيع الرواتب آخر الشهر ويقولون له: لماذا أعطيت الرئيس أكثر مما أعطيت الفراش، أم يعلمون أن الرواتب حددتها الحكومة من قبل ولم يحددها هو، ولا يملك زيادة فيها ولا نقصا ولا تبديلا ولا تحويرا؟

إن الأرزاق مثلها؛ إنها محددة من قبل، إنها مقدرة من الأزل، والذي قدرها هو الله: نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَعِيْشَتَهُم، فنحن نعمل ونجد ونكافح ونتخذ الأسباب كلها لأن الله أمرنا بالعمل والجد والكفاح واتخاذ الأسباب، ثم نرضى بما جاءنا من الله. ص102-103.

7- العلم يتلخص في أمرين:

العلم يتلخص في أمرين: معرفة المراجع، والقدرة على الاستفادة منها. ص117.

8- مرضى الوهم:

من قرأ منكم قصة موليير المشهورة "المريض بالوهم" علم أنه من يتوهم المرض يُحس بأعراضه كلها وتعتريه الآلام التي تعتري المريض الحقيقي، بل لقد قرأنا عن نساء تظهر عليهن أمارات الحمل، فينتفخ البطن وينقطع الحيض، تظهر عليهن أعراض الحمل كلها وما هن بحوامل. ص121.

9- الطب الشعبي:

أكثر من يدعي الطب الشعبي ليس بطبيب. ص129.

10- التحلل الخُلُقي:

أنا لا أخاف من الأفكار الإلحادية، ولا أخاف الشيوعية، ولا أخاف الزندقة بمقدار ما أخاف من التحلل الخُلُقي؛ ذلك لأن دعاة التحلل يخاطبون الغريزة، يوقظون في النفس الميل الطبيعي، وليس كل شاب مستعدا لقبول الزندقة والإلحاد، ولكن كل شاب مستعد أن يميل إذا استُميل بالجمال المعروض واللذة المتوقعة. ص219.

11- الزواج بالمعلِّمات:

.. ثم إني -لانشغالي بأقضية الزواج أكثر من عشرين سنة- قد وقفت على آلاف مؤلفة من قصص الزواج، فكانت نسبة الدوام في الزواج بالمتعلمات (ممن صاحبات الشهادات) ونسبة السعادة فيه أقلَّ منها في زواج غير المتعلمات، الزواج ببعض صاحبات الشهادات الغالب فيه الانقطاع أو الشقاء، والزواج بالأخريات الغالب فيه الدوام والصلاح. ص227.

12- الزواج الزواج:

كل كلام يقال في محاربة الفساد، وكل سعي لنصرة الفضيلة لا ينفع إن لم يكن معه الزواج. ص236.

13- الزواج بين الحب والمصلحة:

سألتني "الأيام" [يقصد جريدة الأيام] مرة عن الزواج، أيبنى على الحب أم على المصلحة؟ فأجبت أن الزواج إذا بني على الحب وحده كان كبيت يبنى على أساس من الملح في مجرى السيل، الحب كالخمر والمحب في سكرة، يرى القبيح من المحبوب جميلا، والنقص فيه كمالا، فإذا ذهبت سكرة الرغبة وجاءت صحوة العقل انتبه لعيوبه، ورآه على حقيقته فكرهه، وأنا أعرف في هذا الباب حوادث لا تعد، وقرأت فيه لأدباء الغرب قصصا لا تحصى، كلها يصور كيف يزيل اللقاء الغشاوة عن عين العاشق، فلا يكاد ينقضي شهر "العسل" حتى تبدأ سنة "الدِّبس"، ثم تكون بعدها سنون ما فيها إلا "الخل"، ثم يصير العمر كله قَطِرانًا وسُما زُعافا. ص242-243.

14- رسالة إلى الأزواج:

يا أيها الأزواج من رجال ونساء، اكتموا خلافاتكم عن الناس، ولا سيما عن الأهل؛ فلا يجوز أن يتدخل الأهل إلا في الخلافات الخطيرة، أنا اختصاصي في أمور الزواج والخلافات الزوجية، مارست النظر فيها سبعا وعشرين سنة، وأنا أؤكد أن تدخل الأهل يعقد الأمور ويفسدها، الله جعل بين الزوجين مودة ورحمة، فهما يختلفان ويصطلحان ولهما طرائق خاصة للمصالحة، فإذا تدخل الأهل انسد طريق الصلح، أما في الحالات الخطيرة التي يترجح معها فصم عرى الزوجية وتعذر استمرارها فلا بد من تدخل الأهل. ص258.

15- التسلية بالخلاف:

ومتى صار الزوجان عجوزين صار الخلاف تسلية لهما، والله صحيح! أعرف رجلا كبيرا وامرأته أكثر منه، كان خلافهما مستمرا وكانا يستمدان منه نشاطا، هي تقص قصصه وهو يسرد أخبارها، يعملان من الحبة قُبَّة، ومن القطرة بِركة، ثم توفيت المرأة وبقي وحده، ولم يبق له ما يتسلى به، فهرم في ستة أشهر وظهرت عليه الشيخوخة وفقد ذلك النشاط. ص259.

16- في الخلافات الزوجية:

الخلافات الزوجية الصغيرة لا يخشى منها، لكن يجب أن تزال قبل الليل؛ لا تجعلوها تبيت، إن الرجل بعد الخناقة يندم وينتظر أن تأتي هي فتصالحه، وهي تندم وترقب أن يجيء فيصالحها، كل واحد ينتظر الآخر، فتطول المدة وتشتد العقدة، فليسرع أحدهما إلى الصلح، وإذا جاء يصالحها فلتبتسم بسرعة، وإذا أقبلت تصالحه فليعجل بالصفح، ولا يقابل أحدهما الصلح بالإعراض، ثم إن الذي يجيء للصلح يلقي الكلمة مخلصا بها من قلبه، لا يعتذر بصوت جاف ووجه مقلوب، فإن اللهجة أصدق تعبيرا من المدلول اللغوي. ص259.

17- من قصص الأزواج:

رأيت مرة دعوى، وقفت أمامي فيها امرأة هزيلة ضئيلة كأنها الفأرة، وكانت هي المدعية، وكان المدَّعَى عليه رجلا طويلا عريضا، له شوارب كسارية المركب، وطربوش طويل مائل، وكل مظاهر العنترية، فأشرت إلى الشرطي أن يقف إلى جنبه لئلا يكون منه شغب في المحكمة، وسألته عن ورقة الهوية فقال: إنها معها، قلت: كيف تكون معها؟ قال: يا سيدي، ضربتني هي وأمها وأخذتاها مني، فصرخت الزوجة بصوت كأنه صوت الدجاجة وهي تبيض: كذب يا سيدي، وانطلق من فمها -والعياذ بالله- سيل من الشتائم الوسخة التي لم أسمع مثلها في حياتي، رغم أني قرأت كل أشعار الهجاء في الأدب العربي! فأشرت للشرطي أن يدع الرجل ويذهب إليها فيسكتها، وإذا بفأرة ثانية عجوز (هي أمها) تبرز من بين صفوف المشاهدين فتعاونها وتشرع بـ "مونولوج" جديد جعلني أترحم على النبَّاش الأول، وأتمنى-من فظاعته- أن نعود إلى شتائم المرأة لأنها أهون! ولم يستطع الشرطي إسكاتها حتى استعان بمحضر المحكمة وبالفراشين، وانتهت المحاكمة، وبدأ الناس ينصرفون والرجل العنتري (أبو الشوارب القائمة) لا يزال واقفا، قلت: مالك؟ لماذا لا تنصرف؟ قال: إن المرأة وأمها تنتظران في الطريق، ولا أستطيع الخروج، فبعثت من هددهما بالابتعاد أو السجن، فمشتا وخرج، ولا تظنوا أني أتخيل أو أبالغ، فإن هذه الحادثة وقعت أمامي. ص267-268.

18- أكثر أسباب الطلاق:

- أكثر حوادث الطلاق التي مرت علي كان سببها هَنَات هينات لم يعقبها اعتذار ولا تسامح، فجرَّت إلى نتائج وبيلات. ص270.

- لقد لبثت قاضيا ومستشارا في محكمة النقض (التمييز) سبعا وعشرين سنة، فوجدت أن أكثر حوادث الطلاق سببها غضب الرجل الأعمى وجواب المرأة الأحمق، والأمر على الغالب تافه لا يستحق الاهتمام. ص278.

19- ما هو الجمال؟:

لقد قرأت كتبا في علم الجمال ورأيت له تعاريف كثيرة، فلم أجد فيه مقالة أصدق مما قاله طاغور: الجمال هو الإخلاص. ص282.

20- خذوني عندكم سنة ثم اقتلوني:

- لما ذهب شيخنا (الشيخ بهجة البيطار) إلى أمريكا، وداروا به على أكثر ولاياتها يحاضر عن الإسلام والمسلمين ويبين لهم حقوق المرأة في الإسلام= قامت امرأة من الحاضرات فقالت له: أستحلفك بالله، هل تقول ما تقول على أنه الحق أم أنه نوع من الدعاية تضعها بين أيدينا؟ فلما أيقنت أن ما يقوله هو الحق وأن هذا هو حكم الإسلام في المرأة قالت له وهي تبكي متأثرة: خذوني لأعيش عندكم سنة ثم اقتلوني. ص306.

تمت بحمد الله

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين