فوائد ومختارات من كتاب (فتاوى علي الطنطاوي- الجزء الأول)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلي الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، أما بعد: فهذه فوائد ومختارات من كتاب "فتاوى علي الطنطاوي الجزء الأول" جمع الفتاوى ورتبها مجاهد ديرانية، دار المنارة- جدة، الطبعة الأولى- 1405.

1- لفظ (الشيخ) في لغات الناس:

الأتراك يقولون للشيخ: المولى فلان، والهنود يقولون: مولانا، والأكراد: الملا، وفي أندونيسيا يقولون: الكياي، ومنه -وقد عرفت هناك- ألكياي دحلان. ص32.

2- أهل الحديث وأهل الرأي:

الباحثون يقسمون الفقهاء إلى قسمين: أهل الحديث وأهل الرأي، والغريب أنهم يعدون الإمام مالكا من أهل الحديث، وأنا لا أنكر معرفته بالحديث وإمامته فيه، كيف لا وهو صاحب الموطأ؟ ولكنَّ مالكا أقرب إلى أهل الرأي منه إلى أهل الحديث.

والدليل على ذلك -كما أرى- أن مذهب أبي حنيفة ومذهب مالك يلتقيان في كثير من المسائل، كما يلتقي مذهب الشافعي وأحمد في كثير من المسائل. ص49.

قال مقيده: نسبة مالك إلى أهل الرأي –على الاصطلاح الذي استقر- بعيدة.

3- بين الإسلام والقومية:

أول من استعمل لفظ القومية العربية فيما أعلم خالي محب الدين الخطيب، وهو من الدعاة الإسلاميين، وأراد إخوانه بالقومية مقاومة الدعوة التركية، وفسروها بإحياء لغة العرب، وأمجاد العرب، ثم حُرف معنى القومية العربية، وتولاها قوم من النصارى، وناس من المسلمين اسما، وصرفوها عن المعنى الذي أراده مستعملوها الأوائل.

وليس النزاع بين القوميين والإسلاميين على الوحدة العربية، فالوحدة العربية غاية قومية وإسلامية، غير أن القومية تراها المحطة الأخيرة، ونحن الإسلاميين نراها محطة على الطريق.

ولكن النزاع ينحصر في العربي غير المسلم، والمسلم غير العربي: أيهما الذي هو منا؟ هنا مقطع المفصل، وهذه هي المسألة، فإن قلنا: الأمة العربية دخل معنا أبو جهل وأبو لهب، وخرج بلال الحبشي وسلمان الفارسي، ودخل معنا قسطنطين زريق وميشيل عفلق، وخرج أبو الأعلى المودودي ومن قبله جمال الدين الأفغاني. ص72.

4- الحكم بالعرف أم بالشريعة؟:

إذا لم يوجد نص في القانون يحكم به القاضي، فهل يقدم الحكم بالعرف أم بالشريعة؟

الجواب: جاءني هذا السؤال وليس في ذيله ولا في رأسه اسم مرسله، وظاهر من أسلوب السؤال أن صاحبه غير مسلم، ولا يعرف ما الإسلام.

الإسلام يا أيها السائل الكريم هو الاستسلام الكامل لشرع الله، فإذا قرر الشرع وجوب أمر أو حرمة أمر لم يكن لمسلم أن يبدي رأيا يخالف ما قرره، {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36].

إن لك الخيرة (أي: حق الاختيار) فيما تأكل وما تشرب وما تلبس ما تعمل، مع اجتناب ما هو حرام من هذا كله، لكن ليس لك الحق أن تلغي وجوب واجب، ولا حرمة حرام، ولو اجتمع على ذلك أعضاء مجلس النواب كلهم، بل الأمة كلها، بل أمم الأرض جميعا، ولو فعلوه لكبهم الله جميعا في جهنم، وهي تتسع لهم، {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ} [الزمر: 60]، بل لا يكفي اتباع حكم الشرع ظاهرا، بل أن يرضوا به رضًى قلبيا ولا يضيقوا به ولا يخجلوا منه، {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ} [النساء: 65]، انظروا: لقد أقسم الله بذاته، لا بالضحى ولا بالليل ولا بالعصر، أقسم على أنهم لا يؤمنون.. حتى ماذا؟ {حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ}، ويتبعوا حكمك وينفذوه، ولكن هل يكفي هذا؟ لا، بل أن معه شرطا آخر؛ هو: {ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ}، أي أنهم يرضون بالحكم قلبا وقالبا، وظاهرا وباطنا، {وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65].

هذا هو شأن المسلم، القانون عنده قانون الله لا قانون البشر، والاحتكام إليه، والمعول عليه، فماذا يريد هؤلاء؟ {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} [المائدة: 50]، إذن انصحوهم أن يجددوا إسلامهم. ص126-127.

5- الوصية الواجبة من التركة:

سؤال عن رجل توفي عن ثلاثة أولاد، وولدين لابنه الذي مات في حياته، هل لهما حق في التركة باسم الوصية الواجبة؟

من المعروف أن أولاد الابن لا يرثون مع وجود أبناء الصلب وهذا الحكم لا خلاف فيه.

وأما الوصية الواجبة فعلاج فقهي لمثل هذه الحالة استنبطوه في مصر، وأنا كنت أيام قانون الوصية مقيما في مصر قاضيا منتدبا للعمل في إدارة التشريع بوزارة العدل فيها.. وقد حضرت بعض جلسات اللجان، وراجعت المراجع، وفهمت المسألة تماما، وأنا أقدم للقراء الآن من ذهني الخلاصة عنها.. وهذا ما اتبعته في جميع ما أنشره في باب الفتاوى هذا، ومن شاء الرجوع إلى المصادر ونقل الأقوال فعل.

والخلاصة:

كانت الوصية واجبة للوالدين والأقربين من غير تحديد لمقدارها بحكم الآية (180) من سورة البقرة، وهي: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 180]، واختلف العلماء في تعيين الأقربين، فمنهم من وسع الدائرة ومن ضيقها.

ثم نزلت آيات المواريث في سورة النساء فحددت بالنص ما يستحقه كل من الأقرباء الوارثين، فذهب أكثر العلماء إلى أنها نسخت آية الوصية.

من العلماء من قال بأنها نسخت وجوب الوصية بحق الأقرباء الذي أُعطوا نصيبا من الميراث، وبقي حكم الوجوب للأقرباء الذين لا يرثون، ومن أشهر من قال بهذا ابن حزم.

وقال غيرهم: إن حكم الوصية للقريب غير الوارث الندبُ لا الوجوب، أي أن الجد يسن له أو يندب أن يوصي لأولاد ابنه الذي مات في حياته ويسمونه: ابن المحروم.

أما مقدار هذه الوصية فقد نصت آية البقرة على أنه يكون بالمعروف، والمعروف أن يوصي لهم بمثل نصيب أبيهم لو كان حيا.

فإن مات ولم يوص؟ قال ابن حزم: يعطون المبلغ الذي تقدره الورثة.

فإن رفض الورثة إعطاءهم فما العمل؟ أنا لم أجد من قال بأنهم يعطون شيئا.

ولهذا أمضيتُ ساعات في نقاش القاضي العالم (عضو اللجنة) الشيخ محمد فرج السنهوري في وزارة العدل في القاهرة، وفي داره في حي السيدة، وأقول: إن الله لم يعطهم شيئا فكيف نعطيهم نحن؟ ثم شرح الله صدري للقول بها لثلاثة أسباب:

الأول: إن المسلمين الأولين لقوة تمسكهم بالدين كان يكفيهم الندب إلى الشيء ليفعلوه ويعملوا به، لذلك كان المعهود عنهم أن الجد كان يوصي لحفدته الذين مات أبوهم في حياته.

والثاني: إن للحاكم المسلم أن يأمر بالمباح -فضلا عن المندوب- فيكون واجبا وجوبا مؤقتا (أي: مدة استمرار الأمر به) لا وجوبا دائما كالواجب بالنص؛ لقوله تعالى: وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء: 59].

والثالث: إذا قلنا بأن هذه الوصية صارت واجبة لأمر الحاكم المسلم بها أمكن اعتبارها حقا من حقوق الله، وفي بعض المذاهب الأربعة أن حقوق الله في التركة تؤدى قبل توزيعها على الورثة. ص266-268.

قال مقيده: هذه المسألة كثر فيها الكلام بين أهل العلم في عصرنا، وأكثرهم على خلاف ما يقوله الشيخ هنا.

6- أوسع كتاب في السيرة:

إن أوسع كتاب في سيرة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وفي شمائله وصفاته، الكتاب الذي يغني عن كل كتاب في السيرة ولا يغني عنه كتاب؛ لأنه جمع كتبها، وحقق أخبارها، وبين درجات أحاديثها، وفسر غامضها، وشرح مجملها، وعرف برواتها، وبكل من ورد اسمه فيها= وهو كتاب "شرح الزُّرقاني للمواهب اللدنية"، وهو في ثمانية مجلدات، ومن وجد طبعته الأميرية (طبعة بولاق) فليشترها بمئة مثلا ولا يشتر الطبعة العادية بعشرين. ص286.

7- حكم الانتساب إلى الجماعات والتنظيمات:

الانتساب إلى جماعة أو هيئة أو تنظيم لا أنصح به، ولا أنهى عنه؛ لأن الجواب موقوف على معرفة تفصيل أمر هذا التنظيم وقانونه والرجال القائمين عليه، والغاية التي يريد الوصول إليها. والقاعدة: أن التعاون على البر والتقوى خير أمرنا به، والتعاون على الإثم والعدوان شر نهينا عنه، فانظر لنفسك قبل أن تقدم أو أن تحجم. ص292 بتصرف يسير.

8- كيد المرأة وكيد الشيطان:

يقول السائل: الله تعالى قال عن النساء في القرآن الكريم: {إَنَّ كَيْدَكُنَّ عَظٍيْمٌ} [يوسف:28]، وقال: {إَنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيْفَاً} [النساء:76]، فهل المرأة أشد كيدا من الشيطان؟

نقول: نعم؛ إذا اكتفيت بالنظرة الأولى ولم تُنعم النظر ولم تدقق الفهم، ولقد فهمت أنا هذا مرة، ولكن لما قرأت الآية كلها وجدت أن كيد الشيطان ورد مقابل قدرة الله، وكل شيء أمام الله ضعيف صغير؛ لأن الله أقوى والله أكبر، {الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} [النساء: 76]، وكيد النساء ذكر مقابل كيد الرجال.

وأول من نبهني لهذا: شيخنا الشيخ عبد الله العلمي والد أصدقائنا عبد الحليم وعبد الباسط وعبد الستار، رحم الله الشيخ ورحم من مات من ولده.

والسبب في أن كيد النساء أعظم: أن المرأة في الجملة أضعف من الرجل، ومن عجَز عن الوصول إلى غايته من طريق القوة وصل من طريق الكيد والحيلة. ص317.

قال مقيده: الشيخ عبد الله العلمي من علماء غزة، ولد فيها ثم هاجر إلى مصر حتى انتهى به المطاف إلى دمشق، وتوفي فيها (سنة 1355)، وهو صاحب الكتاب البديع "مؤتمر سورة يوسف"، ترجم له الطباع ترجمة حافلة في "إتحاف الأعزة" فلتُنظر.

تمت بحمد الله

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين