فوائد من مجالس السماع والرواية (5)

تحصيل العلوم واكتساب المعارف يتحقق بطرق كثيرة وأساليب متنوعة ، ومن أهمّها السماع على الشيخ و التتلمذ على الاستاذ ، والمداومة على القراءة ، والاستمرار في المطالعة ، وهذه الاشياء تعطي المتلقي والمطالع كمّية كبيرة من المعلومات ، وتضيف له مخزوناً عليماً ، ومساحة معرفة واسعة ، وبذلك يجني كنزاً عظيماً ، ووفرة في المعلومات واستعداداً للإجابة ، وتدريباً على السماع والقراءة ، وتهيئة للكتابة والبحث ، وهذا ما ينبغي أن يشغل بال طالب العلم ويلازم تفكيره ، لما لها من أثر بالغ في استجلاب الافكار ، وجمع الخواطر ومنها : 

الخاطرة الخامسة عشرة : خاطرة بين يدَي كتاب (( لفتة الكبد إلى نصيحة الولد للحافظ ابن الجوزي البغدادي ت : 597هـ )) 

عقد شيخنا صاحب القول النفيس الدكتور عبد الحكيم محمد الأنيس - حفظه الله - مجلساً لقراءة كتاب (( لفتة الكبد إلى نصيحة الولد للحافظ ابن الجوزي البغدادي ت : 597 هـ )) مساء يوم الاثنين 19/محرّم /1442هـ الموافق 2020/9/7 م 

جمع فيه أستاذنا عن المؤلِّف وكتابه كلّ نافع ، بأسلوب رائع ، وعرض ماتع ، وإلمام واسع ، وحصر جامع مانع . 

ورسم خريطةً تُرشِد المحققين ، وقدّم زاداً لا غنى عنه للمدققين ، ووضع أسساً متينةً للمؤلفين ، وأفاد المتأخرين بإنجازات المتقدّمين وقد خطر لي : أنّ من أُسس تربية الآباء للأبناء ، حديثهم عن التجارب التي خاضوها ، والمواقف التي مرّت ومرّوا بها ، والأحداث التي عاشوها في مختلف مراحل حياتهم العلمية ، والاجتماعية ، والاقتصادية بحلوها ومُرّها ، سهلها وحَزْنها ، يسيرها وعسيرها ، مفرحها ومحُزنها ، خصوصاً تلك التي أسهمت في إحداث نقلة إيجابية في حياتهم 

وإنّ ذكر هذه الصور ، وعرض هذه الأحداث يرفع الهمّة ، ويقّوي العزيمة ، ويقلل من احتمال الخذلان والهزيمة 

ويظهر أثر ذكر هذه الأشياء على الأبناء في تمكينهم من إيجاد التوازن ، وعدم الميل الى منزلق الضلال في مرحلة الصراع ، والتجاذب بين عناصر الخير والشرّ . 

وهذا ما صرّح به ونبّه له ابن الجوزي - رحمه الله - في لفتة الكبد وما قدّمه من وصايا عظيمة لفلذة الكبد ، فجادت منه القريحة بموعظة ونصيحة ، بلغة فصيحة ، وتوجيهات صريحة ، وأساليب صحيحة 

تعدّ توجيهاً جميلاً للآباء ، وتذكيراً جليلاً للأبناء ، فيه مرضاة لله ، واتباع لرسوله ﷺ ، والعضّ بالنواجذ على سنة الخلفاء ، والتشبّه بالصلحاء ، والسَير على سَنن الأتقياء .

الخاطرة السادسة عشرة : خاطرة بين يدَي كتاب (( فضيلة الشكر لله على نعمته لأبي بكر السامَرّي = السامرائي الخرائطي ت: 327 هـ )).

عقد شيخنا الدكتور عبد الحكيم محمد الأنيس الحلبي البغدادي نزيل دبي - حفظه الله - مجلساً لسماع كتاب (( فضيلة الشكر لله على نعمته لأبي بكر السامَِرّي = السامرائي الخرائطي ت: 327 هـ ))عصر يوم الجمعة 23/محرّم/ 1442هـ الموافق 2020/9/11م 

وقد خطر لي : أنّ الله لفت انتباه عباده في قوله جلّ شأنه : { وَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ } كما قال ابن عاشور - رحمه الله- (( إلى أن حكمة التكليف تعتمد المصالح ودرء المفاسد ، ولا تعتمد ملاءمة الطبع ومنافرته ، إذ يكره الطبع شيئاً وفيه نفعه وقد يحب شيئاً وفيه هلاكه ، وذلك باعتبار العواقب والغايات ، فإن الشيء قد يكون لذيذاً ملائماً ولكنّ ارتكابه يُفضي إلى الهلاك ، وقد يكون كريهاً منافراً وفي ارتكابه صلاح . وشأن جمهور الناس الغفلة عن العاقبة والغاية أو جهلهما ، فكانت الشرائع وحملتها من العلماء والحكماء تحرض الناس على الأفعال والتروك باعتبار الغايات والعواقب )) 

وما يعيشه العالَم اليوم من تعطّل عامّ في مفاصل الحياة بسبب ما يعانيه من الوباء ( فيروس كورونا ) قد يُظَنّ بأنّه شرّ ونقمة ، أجد أنّ من الخير الذي انطوى عليه ، والنعمة التي تستوجب شكر المُنعِم ما يسّره الله من مجالس السماع والرواية ، و إمكانية الأخذ عن كبار علماء هذا الزمان ، و استجازة المعمّرين من مختلف البلدان ، وسماع القرآن الكريم والسنّة النبوية الشريفة وقراءة المصنفات والمؤلفات على المشايخ ليس بينهم وبيننا ترجمان ، وهذه منحة ربانية ونعمة إلٰهية تستوجب الشكر والحمد والثناء والامتنان 

وهي نعمة من نِعم الله التي لا يحصيها عدّ ، والنِعم الظاهرة والباطنة التي لا يعرف لها حدّ ، تستلزم شكر الخالق والمخلوق الذي يترتب عليه أجر ومثوبة وفضيلة كما أرشد لذلك المحدّث أبو بكر السامَِرّي الخرائطي - رحمه الله- في كتابه ( فضيلة الشكر لله على نعمته) لكي ينبه المُنعَّم بما أولاه له المُنعِم من النِعَم ، فالحمد لله والشكر له على نِعَمه الظاهرة والباطنة ما علمنا منها وما لم نعلم

الخاطرة السابعة عشرة : بين يدَي كتاب (( الزهد للإمام المُعافى بن عمران الموصلي ت: 185هـ ))

عقد شيخنا وأستاذنا الدكتور عبد الحكيم محمد الأنيس - حفظه الله - مجالس لقراءة كتاب (( الزهد للإمام المُعافى بن عمران الموصلي ت: 185هـ )) مساء أيام السبت والأحد والاثنين :24-25-26/محرّم / 1442 هـ الموافق 2020/9/14.13.12م 

وكانت ليالي المجلس مصطفوية أخروية ، محفوفة ببركة الاقوال ، والأفعال ، والتقريرات ، والصفات الخَلْقية والخُلُقية للحضرة النبوية ، مرشدة الى تخلية وتحلية الصفات البشرية 

لا تُملّ ولا تُكلّ ، ولَم يُصبها خلل ، أو عطب ، أو عطل 

يَشدّ بعضها الى بعض بلهف ، لما حوته من مكارم صنيع السلف ، وما يُعين الخلف على الامتثال والنجاة من الضياع والتلف .

كأنها عقد يماني ، مرصّع بلؤلؤ من الخليج العربي ، عُرض في بغداد عند صائغ حلبي فاشتراه موصلّي 

وقد خطر لي : أنّ المجتمع اليوم بحاجة الى كتب الزهد والورع والرقائق خصوصاً بعد تحكّم الماديات على التصرفات وأثّرها في العلاقات مع أقرب القرابات ، فأمست البيوت خاوية على عروشها ، كأنها أعجاز نخل منقعر - الا من رحم الله وقليل ما هم - لابتعادها عن مشاهدة الأحوال المنقولة بالسند المتصل ، وعدم الاستماع لأخبار الجيل الموصوف بالأفضلية والأصل .

حريّ بالآباء اليوم أن يتحلّق حولهم الأبناء لسماع أحوال سيد الأنبياء ﷺ ، ومنهج الآل الأنقياء ، والصحابة الأوفياء ، ومعرفة سير الصالحين والأولياء 

لأنها تغرس في النفوس حبّ الشريعة ، وتُنبت في نفوسهم الانتماء الصادق ومعرفة الحقيقة ، وتُدرّبهم على الامتثال في تصرفاتهم العظيمة والدقيقة .

وهذا ما حرص عليه من كان له حظّ كبير من اسمه المُعافى بن عمران الموصلي ، وترك لنا من جميل خطّه ورسمه وما عنون له كتابه الزهد بجليل وسمه

فإن كانت الهمّة عالية ففي المطّولات نفع وإرشاد ، والا فالمختصرات لا تخلو من هداية العباد الى طريق السلامة والتوفيق والسداد 

ما أحوجنا لذلك المنهج ، وما أسعدنا بالرجوع الى الطريق الواضح الأبلج

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين