تحصيل العلوم واكتساب المعارف يتحقق بطرق كثيرة وأساليب متنوعة ، ومن أهمّها السماع على الشيخ و التتلمذ على الاستاذ ، والمداومة على القراءة ، والاستمرار في المطالعة ، وهذه الاشياء تعطي المتلقي والمطالع كمّية كبيرة من المعلومات ، وتضيف له مخزوناً عليماً ، ومساحة معرفة واسعة ، وبذلك يجني كنزاً عظيماً ، ووفرة في المعلومات واستعداداً للإجابة ، وتدريباً على السماع والقراءة ، وتهيئة للكتابة والبحث ، وهذا ما ينبغي أن يشغل بال طالب العلم ويلازم تفكيره ، لما لها من أثر بالغ في استجلاب الافكار ، وجمع الخواطر ومنها :
الخاطرة الخامسة عشرة : خاطرة بين يدَي كتاب (( لفتة الكبد إلى نصيحة الولد للحافظ ابن الجوزي البغدادي ت : 597هـ ))
عقد شيخنا صاحب القول النفيس الدكتور عبد الحكيم محمد الأنيس - حفظه الله - مجلساً لقراءة كتاب (( لفتة الكبد إلى نصيحة الولد للحافظ ابن الجوزي البغدادي ت : 597 هـ )) مساء يوم الاثنين 19/محرّم /1442هـ الموافق 2020/9/7 م
جمع فيه أستاذنا عن المؤلِّف وكتابه كلّ نافع ، بأسلوب رائع ، وعرض ماتع ، وإلمام واسع ، وحصر جامع مانع .
ورسم خريطةً تُرشِد المحققين ، وقدّم زاداً لا غنى عنه للمدققين ، ووضع أسساً متينةً للمؤلفين ، وأفاد المتأخرين بإنجازات المتقدّمين وقد خطر لي : أنّ من أُسس تربية الآباء للأبناء ، حديثهم عن التجارب التي خاضوها ، والمواقف التي مرّت ومرّوا بها ، والأحداث التي عاشوها في مختلف مراحل حياتهم العلمية ، والاجتماعية ، والاقتصادية بحلوها ومُرّها ، سهلها وحَزْنها ، يسيرها وعسيرها ، مفرحها ومحُزنها ، خصوصاً تلك التي أسهمت في إحداث نقلة إيجابية في حياتهم
وإنّ ذكر هذه الصور ، وعرض هذه الأحداث يرفع الهمّة ، ويقّوي العزيمة ، ويقلل من احتمال الخذلان والهزيمة
ويظهر أثر ذكر هذه الأشياء على الأبناء في تمكينهم من إيجاد التوازن ، وعدم الميل الى منزلق الضلال في مرحلة الصراع ، والتجاذب بين عناصر الخير والشرّ .
وهذا ما صرّح به ونبّه له ابن الجوزي - رحمه الله - في لفتة الكبد وما قدّمه من وصايا عظيمة لفلذة الكبد ، فجادت منه القريحة بموعظة ونصيحة ، بلغة فصيحة ، وتوجيهات صريحة ، وأساليب صحيحة
تعدّ توجيهاً جميلاً للآباء ، وتذكيراً جليلاً للأبناء ، فيه مرضاة لله ، واتباع لرسوله ﷺ ، والعضّ بالنواجذ على سنة الخلفاء ، والتشبّه بالصلحاء ، والسَير على سَنن الأتقياء .
الخاطرة السادسة عشرة : خاطرة بين يدَي كتاب (( فضيلة الشكر لله على نعمته لأبي بكر السامَرّي = السامرائي الخرائطي ت: 327 هـ )).
عقد شيخنا الدكتور عبد الحكيم محمد الأنيس الحلبي البغدادي نزيل دبي - حفظه الله - مجلساً لسماع كتاب (( فضيلة الشكر لله على نعمته لأبي بكر السامَِرّي = السامرائي الخرائطي ت: 327 هـ ))عصر يوم الجمعة 23/محرّم/ 1442هـ الموافق 2020/9/11م
وقد خطر لي : أنّ الله لفت انتباه عباده في قوله جلّ شأنه : { وَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ } كما قال ابن عاشور - رحمه الله- (( إلى أن حكمة التكليف تعتمد المصالح ودرء المفاسد ، ولا تعتمد ملاءمة الطبع ومنافرته ، إذ يكره الطبع شيئاً وفيه نفعه وقد يحب شيئاً وفيه هلاكه ، وذلك باعتبار العواقب والغايات ، فإن الشيء قد يكون لذيذاً ملائماً ولكنّ ارتكابه يُفضي إلى الهلاك ، وقد يكون كريهاً منافراً وفي ارتكابه صلاح . وشأن جمهور الناس الغفلة عن العاقبة والغاية أو جهلهما ، فكانت الشرائع وحملتها من العلماء والحكماء تحرض الناس على الأفعال والتروك باعتبار الغايات والعواقب ))
وما يعيشه العالَم اليوم من تعطّل عامّ في مفاصل الحياة بسبب ما يعانيه من الوباء ( فيروس كورونا ) قد يُظَنّ بأنّه شرّ ونقمة ، أجد أنّ من الخير الذي انطوى عليه ، والنعمة التي تستوجب شكر المُنعِم ما يسّره الله من مجالس السماع والرواية ، و إمكانية الأخذ عن كبار علماء هذا الزمان ، و استجازة المعمّرين من مختلف البلدان ، وسماع القرآن الكريم والسنّة النبوية الشريفة وقراءة المصنفات والمؤلفات على المشايخ ليس بينهم وبيننا ترجمان ، وهذه منحة ربانية ونعمة إلٰهية تستوجب الشكر والحمد والثناء والامتنان
وهي نعمة من نِعم الله التي لا يحصيها عدّ ، والنِعم الظاهرة والباطنة التي لا يعرف لها حدّ ، تستلزم شكر الخالق والمخلوق الذي يترتب عليه أجر ومثوبة وفضيلة كما أرشد لذلك المحدّث أبو بكر السامَِرّي الخرائطي - رحمه الله- في كتابه ( فضيلة الشكر لله على نعمته) لكي ينبه المُنعَّم بما أولاه له المُنعِم من النِعَم ، فالحمد لله والشكر له على نِعَمه الظاهرة والباطنة ما علمنا منها وما لم نعلم
الخاطرة السابعة عشرة : بين يدَي كتاب (( الزهد للإمام المُعافى بن عمران الموصلي ت: 185هـ ))
عقد شيخنا وأستاذنا الدكتور عبد الحكيم محمد الأنيس - حفظه الله - مجالس لقراءة كتاب (( الزهد للإمام المُعافى بن عمران الموصلي ت: 185هـ )) مساء أيام السبت والأحد والاثنين :24-25-26/محرّم / 1442 هـ الموافق 2020/9/14.13.12م
وكانت ليالي المجلس مصطفوية أخروية ، محفوفة ببركة الاقوال ، والأفعال ، والتقريرات ، والصفات الخَلْقية والخُلُقية للحضرة النبوية ، مرشدة الى تخلية وتحلية الصفات البشرية
لا تُملّ ولا تُكلّ ، ولَم يُصبها خلل ، أو عطب ، أو عطل
يَشدّ بعضها الى بعض بلهف ، لما حوته من مكارم صنيع السلف ، وما يُعين الخلف على الامتثال والنجاة من الضياع والتلف .
كأنها عقد يماني ، مرصّع بلؤلؤ من الخليج العربي ، عُرض في بغداد عند صائغ حلبي فاشتراه موصلّي
وقد خطر لي : أنّ المجتمع اليوم بحاجة الى كتب الزهد والورع والرقائق خصوصاً بعد تحكّم الماديات على التصرفات وأثّرها في العلاقات مع أقرب القرابات ، فأمست البيوت خاوية على عروشها ، كأنها أعجاز نخل منقعر - الا من رحم الله وقليل ما هم - لابتعادها عن مشاهدة الأحوال المنقولة بالسند المتصل ، وعدم الاستماع لأخبار الجيل الموصوف بالأفضلية والأصل .
حريّ بالآباء اليوم أن يتحلّق حولهم الأبناء لسماع أحوال سيد الأنبياء ﷺ ، ومنهج الآل الأنقياء ، والصحابة الأوفياء ، ومعرفة سير الصالحين والأولياء
لأنها تغرس في النفوس حبّ الشريعة ، وتُنبت في نفوسهم الانتماء الصادق ومعرفة الحقيقة ، وتُدرّبهم على الامتثال في تصرفاتهم العظيمة والدقيقة .
وهذا ما حرص عليه من كان له حظّ كبير من اسمه المُعافى بن عمران الموصلي ، وترك لنا من جميل خطّه ورسمه وما عنون له كتابه الزهد بجليل وسمه
فإن كانت الهمّة عالية ففي المطّولات نفع وإرشاد ، والا فالمختصرات لا تخلو من هداية العباد الى طريق السلامة والتوفيق والسداد
ما أحوجنا لذلك المنهج ، وما أسعدنا بالرجوع الى الطريق الواضح الأبلج
جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول