فوائد من مجالس السماع والرواية (1)

تمرُّ ببال الانسان مجموعة من الأفكار والمشاريع والصور التي قد تكون جميلة فتنشر السعادةَ في الروح والفرحَ في القلب، وقد تكون غير ذلك، وهذه خواطر قلبية، ومن أجملها صورة وأكثرها نفعاً تلك الخواطر العلمية، وخصوصاً إذا كانت بين ثلاثية التعليم الأستاذ والطالب والكتاب. 

وقد منَّ الله عليّ بالتتلمذ على يدي شيخنا الدكتور عبدالحكيم محمد الأنيس الحلبي البغدادي عن قُرب في دار إقامته في دبي، وعن بُعد عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وأحسبها تعدلُ في هذا الزمان شرط البخاري في اللقاء والمعاصرة. 

ومنذ يوم التتلمذ زرعَ فيَّ حبَّ التدقيق، وأشعل في قلبي جذوة الرغبة في التحقيق ، وأنار بين يدي ظلمة الطريق. 

وهذه خواطر مِن نور علم شيخي اقتبستُها ، وعلى لوح الزمان سجلتُها ، راجياً من الله النفع بأولها وآخرها. 

*** 

الخاطرة الأولى: بين يدي سماع: «تسلية الضرير» للعلامة جار الله الزمخشري

تفضَّل شيخُنا المحقق وأستاذُنا المدقق الدكتور عبدالحكيم محمد الأنيس -حفظه الله- بقراءة جميلة وإجازة جليلة، لكتاب صغير الحجم، عظيم النفع لأهل الذوق والفهم، وهو "تسلية الضرير" للعلامة جار الله الزمخشري عصر يوم الجمعة 5 / من ذي القعدة / 1441 الموافق 2020/6/26. 

وقد لفتَ الزمخشري -رحمه الله- بصيرة الضرير إلى نعمة عدم مشاهدة الوجوه الكالحة كما ابتلي برؤيتهم الناظر البصير.

وأنا أستمع الى بلاغة الكلمات، وجمال النبرات، وأشاهد تقاسيم وجه شيخنا المليح المصحوب بالنور والبركات، خطر لي كيف لو عاش الزمخشري في زماننا، وظهرت له وجوه كثير من أبناء جلدتنا، واطلع على ما خفي من مجالسنا لطال به المقام تسلية للعميان، من سوء ما يرى من وجوه بعض بني الإنسان، في مثل هذا الزمان، فالحمد لله الكريم المنّان. 

وبعد نشر هذه الخاطرة اعترضَ أحدُهم على ترحّمي على الزمخشري فقلت له: لا تحجّر واسعاً. ثم أردفتُ ذلك بكلمة نصّها: لستُ معتزلياً؛ أما المعتزلة فقد سمعتُ شيخنا العلامة محمد رمضان -رحمه الله- يقول: "لقد قدّم المعتزلة للأمة خدمة لم يسبقوا اليها".

وأما الزمخشري -رحمه الله- فقد سمعت شيخنا عبدالحكيم الانيس -حفظه الله- يقول: "إن السيوطي -رحمه الله- ذكر تراجع الزمخشري عن آرائه". 

وأقول: كتابة الله القبول لكتب الزمخشري -رحمه الله- قراءة وتحقيقاً وتدقيقاً ونشراً واستدلالاً قد يكون دليلَ قبول للمؤلِف والمؤلَف. والله أعلم. 

***

-الخاطرة الثانية: بين يدي كتاب "تسلية الأعمى عن بلية العمى":

عَقد شيخُنا ذو العلم النفيس الدكتور عبدالحكيم الأنيس - حفظه الله - مساء هذا اليوم الثلاثاء ٩ /من ذي القعدة /١٤٤١ الموافق ٢٠٢٠/٦/٣٠ مجلساً لإتمام قراءة كتاب "تسلية الأعمى عن بلية العمى" للقاري رحمه الله، وقد خطر لي وأنا أتمتع بنعمتي السمع والبصر -والحمد لله- أنَّ الناس في البصر والبصيرة على مراتب: 

الأولى: ذوو بصر وبصيرة. 

الثانية: ذوو عمى في البصر والبصيرة. 

الثالثة: ذوو عمى في البصر دون البصيرة. 

الرابعة: ذوو عمى في البصيرة دون البصر. 

وهذه مراتب منها ما يكون ابتلاءً وداءً، ومنها ما يكون وبالاً وعقاباً. 

ونسأل الله العافيةَ في أسماعنا وأبصارنا وقواتنا ما أحيانا. 

***

الخاطرة الثالثة: بعد سماع تتمة كتاب "تسلية الأعمى عن بلية العمى"

أفدنا من هذا المجلس ضرورةَ التأني في قراءة الكتب، والتوقف عند الأخبار التي لا يؤيدها النقل والعقل، وإمعان النظر في المضمون، ونقد ما يصح نقده، وتصويب ما ظهر خطأ لفظه ومعناه، وهذا شأنُ ذي البصر والبصيرة. 

***

الخاطرة الرابعة: بين يدَي كتاب "الفوائد البارزة والكامنة في النعم الظاهرة والباطنة" للسيوطي: 

عَقد عصر يوم الجمعة ١٢ / من ذي القعدة/١٤٤١ الموافق ٢٠٢٠/٧/٣، شيخنا عبدالحكيم الأنيس مجلساً مع خير جليس، وقد سمعنا منه كل غالٍ ونفيس .

وقد خطرَ لي من نعم الله الظاهرة والباطنة:

فقد يُقال: نعم الله الظاهرة: الصبر على البلاء وما أصاب العالم اليوم من داء. 

ونعمُ الله الباطنة: الشكر على توفيقنا للسماع -عن بُعْد بسبب الحظر - من العلماء، والتتلمذ على أيدي الفضلاء. 

وهاتان نعمتان عظيمتان دلَّ على الأولى منهما قوله تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}، وعلى الثانية قوله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}. 

***

وفي خاتمة هذه الخواطر نسألُ الله جبر الخواطر، لأن كسر الخواطر من أكبر المخاطر، والحمد لله رب العالمين.

* رئيس قسم أصول الدين في كلية الإمام الأعظم الجامعة.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين