فوائد لغوية (4)

 

مشكلات وأخطاء الرسم (الإملاء) كثيرةٌ في هذه الأيام، وقد يُقبَل من الناس الخطأ في رسم الهمزات، ولا سيما في بعض المواضع المُشكلة، ولكنْ لا يُقبَل منهم أبداً الخلط بين حرف الجر "إلى" وأداة الاستثناء "إلا"، فالأول يُكتَب بألف مقصورة والثانية بألف ممدودة. وهذا مثال واحد متواضع على الخلط بين الحروف المتشابهة في كتابة بعض الناس، في هذا الزمان الذي صارت العربيةُ فيه غريبةً بين أبنائها.

 

ومن أسوأ ما رأيته في هذا الباب إلحاق الياء بتاء التأنيث وضمير المخاطَبة وكافها، فتكتب واحدةٌ لصاحبتها: "أنتي قمتي بذلك وأنا رأيتكي"، أي (مترجَمةً إلى لغة العرب): "أنتِ قمتِ بذلك وأنا رأيتكِ". وقد انتشرت هذه الطريقة العجيبة في الكتابة بين الناس مؤخراً حتى صارت وباء عاماً أو أقربَ إلى الوباء، ولو أدركها سيبويه لقتل نفسه من الغمّ ضرباً بالقباقيب! (لولا أن الانتحار حرام وأنّ قتلَ المرء نفسَه بالقباقيب فيه بعض الصعوبة).

 

يتصل بهذا الموضوع المتاعبُ التي نشأت من رسم بعض الكلمات، فقد صارت تُلفَظ خطأً بسبب رسمها، كما في اسم "عمرو"، فإننا نكتبه بواو في حالتَي الرفع والجر فقط، فإذا نُصب حذفنا الواو وكتبناه بألف (أسلم عمرو بنُ العاص في هدنة الحديبية. استعمل عُمَرُ عَمْراً على فلسطين ثم على مصر).

 

لماذا نُثْبت الواو في الرفع ونحذفها في النصب؟ لأنهم أضافوا الواو أصلاً لتفريق "عَمْرو" عن "عُمَر" يومَ لم يكن شَكْل، هكذا يقول رواة اللغة، ولما كان اسم "عُمَر" ممنوعاً من الصرف (لماذا يا ترى؟) والممنوع من الصرف لا يُنوَّن فإن اسم عُمَر منصوباً لا يحتمل إلا الفتحة في آخره (عُمَرَ) فانتفى اللبس بين كلمتَي "عُمَرَ" و"عَمْرَاً" المنصوبتين بوجود الألف في الثانية، فحذفوا منها الواو إذ لم تَعُد لها فائدة.

 

إلا أن مما جلبته هذه الواو من متاعب أن بعض الناس صاروا يلفظون الاسم بالواو فينطقونه "عَمْرُو"، وهي مشكلة فاشية عند كثير من إخواننا المصريين، بل وجدت في أهل سوريا من ينطق اسم الحي الثوري العظيم في حمص (بابا عمرو) بالواو! نسأل الله أن يعيده إلى أهله ويعيدَهم إليه كراماً منتصرين.

 

وقريبٌ من هذه المشكلة تلك الألفُ المشؤومة التي أضافوها إلى "مئة"، فهم يكتبونها "مائة"، فصار الناس، حتى بعض المتعلمين المثقفين منهم، ينطقونها "ماءَه" أو "مايَه"! أما السبب في كتابتها بالألف فهو التفريق بينها وبين "منه" كما ذكر أهل اللغة في رواياتهم. ولا تنسوا أن الحروف كانت تُكتَب بغير شَكْل ولا نَقْط يومئذ، فما الداعي للإبقاء على هذا الرسم الغريب وقد شاع النقط والشكل؟

 

لذلك ذهب عدد من اللغويين والأدباء المعاصرين إلى كتابتها بغير ألف (مئة)، كالشيخ عبد الغني الدقر في كتابه النفيس "معجم القواعد العربية"، ونقله عن طائفة من القدماء كما روى السيوطي في "همع الهوامع". وأنا على منهجهم من المقتدين وفيه من المرغّبين وإليه من الداعين.

 

فائدة: ألف "مئة" مُثبتة في رسم المصحف، لكنها لا تُلفظ في أي قراءة من القراءات، إنما اختلف القُرّاء فقط في تحقيق همزتها أو تسهيلها (أي قَلْبها ياء، كما في قراءتَي حمزة وأبي جعفر).

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين