فوائد لغوية (1)

 

 

 

منذ وقت طويل وأنا أُطالَب بالكتابة في الفوائد اللغوية (التي نَثَرتُ بعضَها في الحواشي التي علّقتُ بها على كتب جدي عندما أعدت تحقيقَها ونشرَها بعد وفاته رحمه الله).

 

كنت أجد أن الكتابة في الثورة أَولى من غيرها، ولكنّ الثورة طالت والحياة تمضي، ولغتنا من أركان هُويّتنا الكبرى، فهي هُوِيّة دينية ولغوية قبل أن تكون هوية قطرية أو مناطقية أو عشائرية أو عائلية، فقررت أخيراً أن أبدأ بنشر "فوائد لغوية"، على حلقات خفيفة يَسهُل استيعابها على عامة الناس، وأبتدئ بها في هذا اليوم الذي يوافق #اليوم_العالمي_للغة_العربية

 

أبدأ باعتراض وردني مؤخَّراً من أخ غيور على اللغة العربية؛ قال: أنت تُكثر من استعمال تعبير "لا بد أن..." كقولك مثلاً: "لا بد أن تنتصر الثورة بإذن الله"، والصحيح الذي نحفظه هو اقتران "لا بد" بحرف الجر "من"، فيكون الصواب: "لا بد من أن تنتصر الثورة بإذن الله". فما قولك؟

 

أقول: كلا الأسلوبين صحيح، لكنّي أفضّل الأولَ لأنه أخفُّ على اللسان وأقربُ إلى المألوف، ولأنّ له وجهاً قوياً من الفصاحة، وهو موافق لصحيح اللغة القرآنية، فإن العرب يُجيزون حذف حرف الجر قبل أنّ (ومثلها أنْ أيضاً) من باب الإيجاز الذي هو من أساليب البلاغة عندهم. وفي القرآن من ذلك الكثير:

 

{وبشّر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أنّ لهم جنات} والتقدير: بأن لهم جنات، و{دعا ربه أني مغلوب فانتصر} أي بأني مغلوب، و{شهد الله أنه لا إله إلا هو} والتقدير: شهد بأنه. ومثله في أنْ المخفَّفة: {فمَن حج البيت أو اعتمر فلا جُناح عليه أن يطّوّف بهما} أي في أن يطوّف، وهو أيضاً في الشهادتين: "أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله"، فقد حُذفت منه الباء قبل أنْ وأنّ . وفي كلام العرب من هذا ما لا يُحصى.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين