فن القيادة

 

(نماذج من حياة النبي صلى الله عليه وسلم)

 

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. 

أما بعد: فإن القادة اليوم بحاجة إلى قدوة حسنة وشخصية كاملة كي يسيروا على منوالها ويقتفوا أثرها في كل صغيرة وكبيرة...

ولذلك فإن التركيز في هذا المقام سيكون على الرسول القائد صلى الله عليه وسلم...

نسأل الله التوفيق والسداد

لماذا فن القيادة؟

لأن صلاح المجتمع لا يكون بغير قيادة حكيمة..

تعريف القيادة: 

(هي عملية تحريك الناس نحو الهدف)

فالقائد الذي لم يحدد هدفه بعد، ولا يعرف البوصلة التي يريد أن يحرك الناس باتجاهها

 " ليس بقائد".

معظم مؤسساتنا اليوم تدار ولا تقاد:

فما الفرق بين الإدارة والقيادة؟

الإدارة: تحسين الأداء مع تقليل الجهد والوقت والتكلفة 

(الاهتمام بالحاضر ومحاولة تحسينه).

القيادة: تركز على: 

1-/الهدف/ 

2-/والمستقبل/ 

3-/والإنجاز/  وتركز على الإنسان.

أهمية القيادة في حياة الأمة: 

نلحظ أهمية القيادة في حياة المجتمع من خلال أمر النبي بتعيين القائد 

في أقل التجمعات البشرية...

قال صلى الله عليه وسلم: (إذا خرج ثلاثة في سفر فليأمروا أحدهم) رواه أبو داود.

والحكمة من ذلك: ثلاثة أمور:

1- ليكون أمرهم جميعاً. 

2- ولا يتفرق بهم الرأي 

3- ولا يقع بينهم الاختلاف

مشكلة الأمة اليوم!!

هي في نوعية القادة وليس في كمية القادة...

فالقادة بنحو عام كثر... 

ولكن القادة أصحاب الرؤية والهدف هم قلة قليلة جداً.

فمن الأخطاء الكبيرة في التعليم

أننا نركز على الطب والعلوم والرياضيات والهندسة.. (وهي لا تصنع قادة)  

وننسى أن نركز على شيء نسميه (مهارات الحياة)... 

كلها موجودة في العلوم النظرية (الدين- اللغة -الادارة- علم الاجتماع)

من الذي يقود الأمة؟

صنفان من الناس:

1-العلماء

2-الحكام

فإذا صلح حال الحكام والعلماء صلحت الأمة بشكل عام.

أهم صفات القائد الناجح:

1. الهدوء وضبط النفس: 

فالقائد المتسرع في اتخاذ القرار والانفعالي سلبياته أكثر من ايجابياته  

2. معرفة الرجال: 

وهذه صفة مهمة جداً في القائد، وهو أن يعرف معادن الرجال الذي سيعتمد عليهم في المهمات الصعبة والحساسة... 

ومما يساعد على ذلك:

• أن تعيش معهم و بينهم و تخالطهم

• أن تتفهم إمكانياتهم و تستفيد من نقاط قوتهم.

• أن تنظر إليهم بمنظار العطف و القوة

• أن تعرف ردود الفعل لكل فرد، و كيف يفكر.

• وضع الرجل المناسب في المكان المناسب.

3. الشورى وعدم التفرد بالرأي: 

وهذه من صفات القائد الناجح، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشاور أصحابه فقد ورد أنه في غزوة بدر استشار صحبه في موقع المعركة فقال الحباب: أمنزل أنزلك الله إياه أم هو الرأي والحرب والمكيدة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بل هو الرأي والحرب والمكيدة، فقال الحباب: ليس هذا بمنزل... وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بمشورة الحباب.

4. القوة والأمانة: 

وهما صفتان جامعتان لكل المعاني القيادة... 

قال تعالى في وصف موسى عليه السلام -على لسان ابنة شعيب عليه السلام -: 

[إن خير من استأجرت القوي الأمين]

5. العقيدة الراسخة والإيمان القوي:

القائد المؤمن يقود وفق أوامر خـــــالقه، للأهداف التي حددها له الله سبحانه بالضوابط و الحدود التي رسمها له...

قال خالد بن الوليد يوم اليرموك: (إن هذا يوم من أيام الله، لا ينبغي فيه الفخر و لا البغي،

 اخلصوا جهادكم، و أريدوا الله بأعمالكم). 

6. سرعة البديهة والمبادرة وأخذ القرار: 

القائد الذي لا يستطيع اتخاذ القرارات المصيرية في اللحظات الحاسمة يضيع هو ومن حوله.

7. الانضباط: 

على القائد الالتزام بالتعليمات بنفسه أولاً؛ لأنه قدوة لجنوده وهذا ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية: عندما أمر الصحابة بحلق رؤوسهم والتحلل من الاحرام فلم يمتثلوا... فشاور أم سلمة رضي الله عنها فأشارت عليه أن يحلق بنفسه أولاً.. فحلق رسول الله رأسه فلما رأوه فعل ذلك فعلوا مثله فوراً.   

8. التواضع:

 القائد المتواضع يؤثر في أتباعه أكثر من المتكبر وهذا ما أشار إليه القرآن: 

[أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين]  

9. الواقعية: 

القائد عليه أن يساير الظروف وأن يلاحظ الواقع في كل أمر..

 فلا يأمر بما لا يطاق ولا يكلف عنصراً بما لا يستطيع...

 كما قيل: (إذا أردت أن تطاع فاطلب المستطاع).  

10. الدماثة والعطف: 

وكذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فقد كان يمازح أصحابه ولا يقول إلا حقاً)

11. الحزم:

على القائد أن يكون وسطاً بين الشدة واللين...

حاسماً في موضع الحسم وملاطفاً ومازحاً في موضع الراحة..

وكما قيل: (لا تكن صلباً فتكسر ولا ليناً فتعصر).

12. العدل:

وهذه صفة هامة في القائد، فالقائد العادل في ظل عرش الله 

كما قال عليه الصلاة والسلام: سبعة يظلهم الله في ظله: وأولهم (إمام عادل).

وهذا الفضل الكبير والمنزلة العالية سببها أن قدرته تدعوه للجور ولكنه يعدل.

13. معاملة الناس باحترام:

ومن المعلوم أن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها. 

و 85% من النجاح في القيادة يعزى إلى المهارة في التعامل مع الناس.  

14. العلم والمعرفة: 

وهي شرط ضروري في القائد وهي أن يكون من أهل العلم في الاختصاص المسند إليه

وأن يكون صاحب حنكة وذكاء وإلا فإنه يخدع من قبل العدو بكل بساطة

كما ورد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (لست بالخب ولا الخب يخدعني).

15. الاستقامة على الشريعة: القائد المستقيم في تصرفاته فهو قدوة لغيره

ومما يساعد على الاستقامة:

• الاستغفار: "عليكم بالاستغفار فإنها ترد عنكم ما لا ترده السيوف"

• الاتصال بالقرآن و السنة: كي يكون القلوب عامراً بذكر الله فلا يخرب القلب ولا يصدأ

• الارتباط الآخرة: رغم أن المسلم يعمل لأهداف دنيوية مباحة إلا أن القائد المسلم يربط حتى المكاسب الدنيوية بنية صالحة تحيل المباحات إلى أجر و ثواب. 

من واجبات القائد: 

1. اتخاذ الاحتياطات الأمنية اللازمة لأمن الأفراد والعمل.

2. تقسيم العمل بحيث يتناسب مع قدرات العاملين ويحقق الأهداف المرسومة.

3. تطهير الأفراد من عناصر الفتنة والتخذيل.

4. العدل بين الأفراد في المعاملة, وإسداء النصح لهم دوماً.

5. المشاورة: [وأمرهم شورى بينهم]

6. تقبل الرأي الآخر وعدم الاستبداد بالرأي.

7. صناعة قادة المستقبل: تربية الأولاد على القيادة:

ستصبح يا بني فتـــى         تشيــــــــــر إليه كل يد

فتى يبـــــني لأمتــــــه        صروح الخير و الرشد 

ستسهم في سعادتـــها        بعون الواحد الأحـــــــد 

وسوف أرى بإذن الله        أن خطــــاك لم تحـــــــد  

تسير إلى العلى شهمــا       بعزم منــــك متقـــــــــد           

من حقوق القائد على الناس: 

1. الطاعة له بالمعروف.

2. مناصرته وتأييده والدعاء له.

3. مناصحته وتسديد رأيه.

4. الالتزام برأيه النهائي.

5. التعاون مع فريق العمل الذي كونه. 

سلبيات على القائد تجنبها (مزالق القيادة):

1. الاستبداد بالرأي.

2. الإفراط أو التفريط.

3. الكبر والعجب ورفض النقد.

4. غياب الهدف عن الذهن وبعثرة الأولويات.

5. مخالفة الفعل للقول.

6. الاستئثار بشيء دون الأفراد.

7. تعيين نائب ضعيف.

8. ضياع معالم القدوة من شخصيته القائد.

9. التوقف عن تنمية المواهب وتجديد المعارف الشخصية. 

10. الانسياق (الدائم) مع رغبات الأفراد والانقياد لهم. 

نماذج من حياة الرسول القائد صلى الله عليه وسلم:

1- الثبات عند تزعزع الآخرين: 

مثال: ثبات الرسول صلى الله علية وسلم يوم غزوة أحد عندما تغيرت موازين القوى وتراجع بعض الصحابة ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم ثبت وأخذ يناديهم ويذكرهم ببيعة العقبة فحنوا إليه حنين النوق إلى فصائلها..

2- الجرأة والشجاعة:

خوضه صلى الله عليه وسلم لمعركة بدر وهي أول معركة حاسمة تعد شجاعة نادرة

كذلك صموده صلى الله عليه وسلم في غزوة الخندق أمام عشرة آلاف من الأحزاب دليل على رباطة جأشه وشجاعته..

يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (كنا إذا اشتد الخطب واحمرت الحدق اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أقربنا إلى العدو..). 

3- بعد النظر والتفكر في العواقب:

مثال ذلك: صلح الحديبية... وافق رسول الله صلى الله عليه وسلم على بنود الصلح الجائرة رغم معارضة عمر بن الخطاب وقوله: (لماذا نعطي الدنية في ديننا...).

لكن كان رأي رسول الله هو الأصوب... وكان الصلح مقدمة للفتح الأعظم لمكة عام 8هـ .

4- معرفة النفسيات والقابليات:

عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسيات صحبه؛ لأنه كان يعيش بينهم كفرد واحد منهم... يقول صفوان بن أمية: (ما زال رسول الله يعطيني من غنائم حنين وهو من أبغض الخلق إلي حتى ما خلق الله شيئاً أحب إلي منه).

5- محبة القائد:

يقول عروة بن مسعود عندما أرسلته قريش لمفاوضة النبي عليه السلام في الحديبية: 

(يا معشر قريش: إني جئت كسرى في ملكه وقيصر في ملكه والنجاشي في ملكه وإني والله ما رأيت ملكاً في قوم مثل محمد –صلى الله عليه وسلم- لا يتوضأ إلا ابتدروا وضوئه، ولا يسقط منه شعر إلا أخذوه، وإنهم لن يسلموه لشيء أبداً). 

 

أهم المراجع:

-مهارات القيادة وصفات القائد، أحمد عبد المحسن عساف.

-صناعة القائد، طارق سويدان.

-الرسول القائد، محمود شيت خطاب.   

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين