فَلْتكن مُسلماً إيجابيّاً

الإيجابية من المفاهيم المعاصرة، وإن كانت مفرداتها مما عُني به الناس منذ قرون، وجاءت التوجيهات الإسلامية في الكتاب والسنّة، وعلى ألسنة العلماء والدعاة، تؤكّد هذه المفردات وتؤصّلها.

الإيجابية تعني الأمل والعطاء والتعاون والفاعلية، والثقة بالمنهج، والوضوح في الغاية والطريق... بمقابل السلبيّة التي تعني اليأس والشحّ والعزلة والشك والانسحاب والضياع والتهرّب من المسؤولية.

المسلم يعلم أن له ربّاً حكيماً كريماً ودوداً قادراً رحيماً... وأن الكون كله مخلوق بحكمة وإبداع وجمال، وأن الإنسان مخلوق مكرّم: { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا}. {سورة الإسراء: 70}.

وأن كرامة الإنسان تتفاوت، لا على أساس اللون والشكل والنّسَب، ولكن على أساس التقوى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}. {سورة الحجرات: 13}.

وأن الله سبحانه استخلف الإنسان في الأرض لعمارتها وإقامة شرع الله فيها، وحياتُه فيها إنما هي اختبار: { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً}. {سورة المُلك: 2}.

وحياة الفرد مرتبطة بحياة المجتمع، سواء من حيث الشعور الداخلي، أو من حيث المصالح المتشابكة، لذلك فإن تعاون الناس وتآلفهم هو الأصل، وأن الخصومة والعدوان والحروب لا تكون من طرف المسلم إلا لإعلاء كلمة الله وتقويم الاعوجاج وردع الظالم.

ومعظم التوجيهات في كتاب الله وسنّة نبيّه صلّى الله عليه وسلّم تأتي بالصيغة الجماعية: {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ}. {سورة البقرة: 43}. { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} {سورة البقرة: 183}. { وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً}. {سورة آل عمران: 97}. {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى} {سورة المائدة: 2}. {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ} {سورة التوبة: 105}. {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ}. {سورة آل عمران: 104}.

وهكذا يحسّ الفرد بانتمائه إلى المجتمع، سواء في الشعائر التعبّديّة كالصلاة والصيام، أو في أنشطة الحياة المختلفة.

ولا بد أن تعترض حياةَ الفرد والجماعة صعوبات ومصائب وخوف وجوع... لا بأس، فهي حياة قصيرة، وهي اختبار وابتلاء، والمسلم في أموره كلها يتوكّل على الله ويستعينه ويرجوه ولا ييئس من رحمته، بل يعلم ويقرأ: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا . إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}. ولا يقصّر في بذل ما في وُسْعه من وقت وجهد ومال... في إصلاح هذه الحياة: (فاتقوا الله ما استطعتم). {سورة التغابن: 96}. { وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} {سورة الأنفال: 60}. {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ}. {سورة محمّد: 31}.

ولنتصوّرْ دلالة قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: "إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسْها". رواه أحمد بإسناد صحيح.. يعني حتى في وضع لا يؤمل منه أن تنمو هذه الفسيلة وتثمر، على المسلم أن يكون إيجابياً. لماذا؟ ببساطة إنه يتعامل مع الله: (فمَن يعمل مثقال ذرّةٍ خيراً يَرَه). {سورة الزلزلة: 7}.

والحياة الآخرة ليست بديلاً عن الحياة الدنيا، بل هي ثمرة لها: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا}. {سورة القصص: 77}.

فالمسلم يُعنى بصحّته، ويُعنى بحُسن علاقته مع والديه وجيرانه ومجتمعه، بل مع الكافرين الذين لم يقاتلوه في الدين، ويعمل كذلك لكسب الرزق الحلال فيُعيل نفسه وأهله، ويعلم أن اليد العُليا خير من اليد السفلى، ويأخذ بأسباب النجاة من صروف الدهر. وعندما خرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى الشام ثم عَلِمَ أن الوباء قد وقع هناك استشار أصحابه ثم قرّر العودة، فقال أبو عبيدة بن الجرّاح رضي الله عنه: أفراراً من قَدَر الله؟. فقال عمر: لو غيرُك قالها يا أبا عبيدة! نعم نفرّ من قدر الله إلى قدر الله. [والقصّة رواها البخاري ومسلم].

ولنتأمّل هذا الحديث: "إنّ لربّك عليك حقّاً، ولنفسك عليك حقّاً، ولأهلك عليك حقّاً، فأعطِ كلَّ ذي حقّ حقّه". رواه البخاري.. لنجد أن المسلم إيجابي ومتوازن.

ثم لننظر إلى حياة كثير من المسلمين اليوم وقد قَصُرَ فهمهم لدينهم، وقصُرت هممهم عن القيام بحق هذا الدين، فنرى أنهم اختاروا لأنفسهم الكسل والذل، وتقاعسوا عن البذل والتضحية ومقاومة الظلم، وساروا في الطريق الذي يرضي هواهم، ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنّوا بها، ولم يعودوا يشعرون أنهم أصحاب رسالة الهداية والصلاح والإصلاح، حتى إذا وقع عدوان على قومهم اكتفَوا بسماع أخبار العدوان وربما ندّدوا وشجبوا وشتموا... لكنهم لا يقدّمون للمعركة الأموال والأنفس... لقد فقدوا إيجابية المسلم أو كادوا. وما أحوجهم إلى إيقاظ الإيمان في قلوبهم، واستدراك الخلل الذي أصابهم وقد قصّروا في حق هذا الدين، وأعطَوا صورة سلبيّة عن المسلم.

المسلم إيجابيّ يدعو إلى الخير، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ولا يكون إمّعة تابعاً للمجتمع في خيره وشرّه، ولا يستسلم للضعف، ولا يتوارى أمام الصعاب، بل يصبر في البأساء والضرّاء وحين البأس، ولا يتولّى يومَ الزحف.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين