فَضْل صيام ست من شوال

الشيخ : مجد مكي

 

روى مسلم من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر).

وإنما كان صيام رمضان وإتباعه بست من شوال يعدل صيام الدهر، لأن الحسنة بعشر أمثالها، فصيام رمضان بعشرة أشهر وصيام ستة أيام بشهرين، فذلك صيام سنة.
وفي معاودة الصيام بعد رمضان فوائد عديدة:

1 ـ منها: أن صيام ستة أيام من شوال يستكمل بها أجر صيام الدهر.

2 ـ ومنها: أن صيام شعبان وشوال كصلاة السنن الرواتب قبل الصلاة وبعدها؛ فيكمل ما حصل في الفريضة من خلل أو نقص، فإن الفرائض تجبر وتكمل بالنوافل.

3 ـ ومنها: أن معاودة الصيام بعد صيام رمضان علامة على قبول صوم رمضان، فإن الله تعالى إذا تقبل عمل عبد وفقه لعمل صالح بعده، كما قال بعضهم: ثواب الحسنة الحسنة بعدها.

4 ـ ومنها: أن صيام رمضان يوجب مغفرة ما تقدم من الذنوب، وأن الصائمين لرمضان يوفون أجورهم يوم الفطر، وهو يوم الجوائز، فيكون معاودة الصيام بعد الفطر شكراً لهذه النعمة، فلا نعمة أعظم من مغفرة الذنوب.

كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم حتى تتورم قدماه، فيقال له: أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فيقول: أفلا أكون عبداً شكوراً.

وقد أمر سبحانه بشكر نعمة الصيام، وإظهار ذكره وشكره:[ وَلِتُكْمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ] {البقرة:185}.

فمن جملة شكر العبد لربه على توفيقه لصيام رمضان ومغفرة ذنوبه أن يصوم له شكراً عقب ذلك.
فكل نعمة من الله في دين أو دنيا يحتاج إلى شكر عليها، ثم التوفيق للشكر عليها نعمة أخرى يحتاج إلى شكر ثاني، ثم التوفيق للشكر الثاني نعمة أخرى تحتاج إلى شكر آخر، وهكذا أبداً، فلا يقدر العبد على شكر النعم، وحقيقة الشكر: الاعتراف بالعجز عن الشكر.

فأما مقابلة نعمة التوفيق لصيام شهر رمضان بارتكاب المعاصي بعده، فهو فعل من بدل نعمة الله كفراً.
5 ـ الأعمال الصالحة لا تنقطع بانقضاء رمضان، بل هي باقية بعده ما دام العبد حياً، (الصائم بعد رمضان كالكار بعد الفار) أي: كالذي يفر من القتال ثم يعود إليه.

وفي حديث الترمذي: (أحب الأعمال إلى الله الحال المرتحل) فعمل المؤمن لا ينقضي حتى يأتيه أجله:[وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ اليَقِينُ] {الحجر:99}.

لقد خرجنا من رمضان بعد أن صمنا أيامه وقمنا لياليه، وما ندري ماذا صنع بصيامنا وقيامنا، فإن كان قُبل ـ وهو ما نرجوه ـ فقد فزنا بالمغفرة والعتق من النار، فينبغي أن نستقبل ما بقي من أعمارنا بعزم وتصميم على أن لا نعود إلى العصيان، وألا نسود صحائف أعمالنا بالذنوب والآثام.

وإن كان ردَّ علينا صيامنا وقيامنا، ونعوذ بالله ومعافاته وكرمه فقد خبنا وخسرنا.

لقد تربَّينا في شهر رمضان على فعل الطاعات وترك المحرمات، وتلقينا دروس الصبر.. والأخلاق الفاضلة، وعرفنا قدر الحياة ونعمة العبادة.

هناك موسم يتكرَّر في كل يوم وليلة خمس مرات  نقف فيها بين يدي مولانا سبحانه.

وهناك موسم يتكرَّر كل أسبوع وهو صلاة الجمعة، وفيه ساعة الإجابة.

وبين أيدينا مواسم جوف الليل ووقت الأسحار.
(بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان).

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين