فضائل الحج وواجبات من لم يحج:


الشيخ الدكتور/ علاء محمد سعيد

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه .

أما بعد فإن الحج ركن من أركان الإسلام وفريضة من فرائضه، وشعيرة من شعيرة.

رحلة إيمان، وطاعة للرحمن ، شوق وحنين للذكريات العظيمة والأرض المقدسة المباركة، إخلاص وتجرد وزهد في الدنيا وما فيها، إقبال على الله تعالى طمعا في عفوه، ورجاء في رحمته، وأملا في رضاه جل في علاه.

شرف الله به أمة الإسلام وجعله علما لتوحيدها ورمزا لوحدتها، وشعارا لقوتها، ودلالة على أخوتها وألفتها.

نداء للبشرية بأسرها ، ودعوة للإنسانية كلها، هذا دين الإسلام دين التوحيد دين الحق دين العدل دين الأخوة والمساواة بين سائر البشر.

الحج له منزلة عظيمة وفضل كبير عند الله تعالى ، وفيه فوائد عظيمة للأمة كلها بل للبشرية بأسرها.

قال الله تعالى {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج :27، 28]

ولذلك أوجبه الله تعالى على أمة الإسلام من استطاع إليه سبيلا، قال الله تعالى {إنَّ أوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ للَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلعَالَمِينَ، فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إبْرَاهِيمَ ومَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً ولِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ومَن كَفَرَ فَإنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ}. (آل عمران: 96- 97).

وجعل له من الثواب والأجر والفضل عند الله تعالى  منها:

1.    من أفضل الأعمال- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سُئل رسولُ الله (صلى الله عليه وسلم): أيُّ العمل أفضل؟ قال: "إيمانٌ بالله ورسوله"، قيل: ثم ماذا؟ قال: "الجهاد في سبيل الله"، قيل: ثم ماذا؟ قال؛ "حج مبرور" متفق عليه.

2.    - يمحو الله به الذنوب: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "من حجَّ فلم يَرفُث ولم يَفسُق، رَجع كيوم ولدته أمه" متفق عليه. الرفَث: هو الكلام البذيء، ويأتي بمعنى الجماع.

3.    - ثوابه الجنة :عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "العمرة إلى العمرة كَفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلّا الجنة" رواه الشيخان.

4.    جهاد في سبيل الله قال رسول الله صلي الله عليه وسلم ( جهاد الكبير والضعيف والمرأة الحج ) رواه النسائي

5.    الحجاج وفد الله تعالي: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم وفد الله ثلاثة الحاج والمعتمر والغازي) رواه النسائي وابن ماجه

6.    والإكثار من الحج والعمرة ينفيان الفقر . قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : "تابعوا بين الحج والعمرة، فإن المتابعة بينهما تنفي الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد". {الترمذي  وابن ماجه }.

هذه بعض فضائل الحج لبيت الله الحرام التي يمن الله تعالى به على حجاج بيته الحرام.

واجبات من لم يحج لبيت الله الحرام

لكن من لم ينل شرف الحج لبيت الله الحرام ولم يحظى بشرف الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة والوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة ومنى ورمي الجمار وغير ذلك من أعمال الحج، فإن له في هذه الأيام المباركة فرصة أن يشارك حجاج بيت الله الحرام الثواب والأجر،

وأن ينال شيئا من المن والفضل من الله تعالى ومن ذلك:

                                 أ‌-         اغتنام عشر ذي الحجة:
قال الله تعالى : ( ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ) الحج/28 . والجمهور على أن الأيام المعلومات هي أيام العشر لما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما : ( الأيام المعلومات : أيام العشر )

عن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ " أخرجه البخاري و أبوداود

وعن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ما من عمل أزكى عند الله عز وجل ، ولا أعظم أجراً من خير يعمله في عشر الأضحى . قيل : ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال : ولا الجهاد في سبيل الله عز وجل ، إلا رجل خرج بنفسه وماله ، فلم يرجع من ذلك بشيء ) رواه الدارمي وإسناده حسن

وعن ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الْعَمَلِ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَ التَّحْمِيدِ " أخرجه أحمد


ليالي العشر أوقات الإجابة ... فبادر رغبة تلحق ثوابه

 ألا لا وقت للعمال فيه ... ثواب الخير أقرب للإصابة

من أوقات الليالي العشر حقا ... فشمر واطلبن فيها الإنابة



                               ب‌-       صيام يوم عرفة:

عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ " أخرجه مسلم .

وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟"أخرجه مسلم

                              ت‌-      التكبيرُ والتهليلُ

 فعن ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ((مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ

وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعَمَل فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَ التَّحْمِيدِ )).

قال البخاري – رحمه الله - : وكان عمرُ يكبرُ في قبته بمنى فيسمعه أهلُ المسجد فيكبرونَ ويكبرُ أهلُ الأسواقِ حتى ترتج منى تكبيراً , وكان ابنُ عمرَ يكبرُ بمنى تلك الأيام وخلفَ الصلواتِ وعلى فراشه وفي فسطَاطِه ومجلسه وممشاه تلك الأيام جميعها ، وقال: وكان ابنُ عمرَ وأبو هريرةَ – رضي الله عنهما – يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما.

والتكبيرُ نوعان : مطلق ومقيد فالمطلق في سائر الوقت من أول العشر إلى آخر أيام التشريق , والمقيد (أي المقيد بأدبار الصلوات) ويبدأ من فجر يوم عرفة لغير الحاج إلى أخر أيام التشريق مقيداً بأدبار الصلوات.

                              ث‌-      التقربُ إلى الله تعالى بذبح لأضاحي :

وهي سنه مؤكدة في أصح قولي العلماء، وتتأكدُ في حق القادر عليها ومَنْ عنده سعة من المال ، فينبغي للمسلم المستطيع القادر ألا يفرط فيها ، لقول أَنَسٍ رضي الله عنه : ((ضَحَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ وَسَمَّى وَكَبَّرَ وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا )).

كذلك البعد عن الذنوب والمعاصي والاكثار من الطاعات والقربات لله تعالى في هذه الأيام المباركة والمواسم الفاضلة رجاء الثواب والمغفرة ، وابتغاء للأجر والمنزلة عند الله تعالى .

قال بن رجب رحمه الله في لطائف المعارف:

(من فاته في هذا العام القيام بعرفة فليقم لله بحقه الذي عرفه، من عجز عن المبيت بمزدلفة فليبت عزمه على طاعة الله، و قد قربه و أزلفه من لم يمكنه القيام بأرجاء الخيف فليقم لله بحق الرجاء و الخوف، من لم يقدر على نحر هديه بمنا فليذبح هواه هنا و قد بلغ المنا، من لم يصل إلى البيت لأنه منه بعيد فليقصد رب البيت فإنه أقرب إلى من دعاه و رجاه من حبل الوريد .

نفحت في هذه الأيام نفحة من نفحات الأنس من رياض القدس على كل قلب أجاب إلى ما دعى.

 يا همم العارفين بغير الله لا تقنعي يا عزائم الناسكين لجمع أنساك السالكين اجمعي لحب مولاك أفردي و بين خوفه و رجائه اقرني و بذكره تمتعي.

 يا أسرار المحبين بكعبة الحب طوفي و اركعي، و بين صفاء الصفا و مروة المروى اسعي و اسرعي، و في عرفات الغرفات قفي و تضرعي، ثم إلى مزدلفة الزلفى فادفعي ثم إلى منى نيل المنى فارجعي، فإذا قرب القرابين فقربي الأرواح و لا تمنعي.

 لقد وضح الطريق و لكن قل السالك على التحقيق و كثر المدعي



لئن لم أحج البيت أوشط ربعه ... حججت إلى من لا يغيب عن الذكر

فأحرمت من وقتي بخلع نقائصي ... أطوف و أسعى في اللطائف و البر

صفاي صفائي عن صفاتي و مروتي ... مروءة قلبي عن سوى حبه فقر

و في عرفات الأنس بالله موقفي ... و مزدلفى الزلفى لديه إلى الحشر

و بت المنى مني مبيتي في منا ... و رمي جماري جمر شوقي في صدري

و أشعار هدي ذبح نفسي بقهرها ... و خلعي بمحو الكائنات عن السر

و من رام نفرا بعد نسك فإنني ... مقيم على نسكي بلا نفر

أسأل الله التوفيق والسداد.


جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين