فصول من التآمر اليهودي على النصرانية والإسلام

 

"استنبات الرافضة نموذجاً"

 

شاؤل في النصرانية

إن تآمر اليهود على الديانتين النصرانية والاسلام قديم بدأ مع ظهور كل منهما، وكانت غاية اليهود الوحيدة تقويض العقيدة الربانية التي أنزلت على عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام، عقيدة التوحيد التي بعث بها الأنبياء والرسل من لدن آدم إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

لقد عانت الدعوة النصرانية منذ نشأتها أشدَّ المعاناة من سلسلة الاضطهادات والتنكيل على أيدي اليهود الذين كانت لهم السيطرة الدينية وقتئذ في مصر وفلسطين، إذ اتخذ التعذيب والقتل أشكالا عديدة ما بين الصلب على الخشب، والنشر بالمناشير إلى التمشيط ما بين اللحم والعظم، والحرق بالنار.......، وقد سبق تآمرهم على المسيح نفسه بالتعاون مع الرومان الذين كانوا يحكمون فلسطين وما حولها واستطاعوا قتله وفق زعمهم، وقد كذَّب القرآن ادعاءهم بقوله: {وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَل رَّفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ? وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (158)}. سورة النساء.

 

وفي ظل هذه الظروف الصعبة التي كان يواجهها الحواريون وبقية المؤمنين بالمسيح عليه السلام ظهرت شخصية مثيرة للجدل وهو شاؤل الذي كان متخصصاً بملاحقة أتباع المسيح رجالا ونساء وسوقهم إلى السجون للتعذيب، وشاؤل هذا يفاجئ الناس بقصة عجيبة تحكي تحوله من اليهودية إلى النصرانية: (بهدف إفساد العقيدة النصرانية من داخلها بعد أن فشل أسلوب القمع والتنكيل مع المتنصرين)، وقد وردت هذه القصة في أعمال الرسل في الكتاب المقدس العهد الجديد /22، وفيها يزعم شاؤل أنه بينما كان داخلاً دمشق بقصد ملاحقة النصارى إذ سطع نور من السماء فسقط على الأرض"، وسمع صوتاً ينادي شاؤل شاؤل لماذا تضطهدني، فأجبت من أنت يا سيد؟ فقال لي: انا يسوع الناصري... فقلت: ماذا أفعل يا رب". وهنا يزعم شاؤل أنَّ المسيح أمره أن يدخل دمشق ويتنصر وينضم الى أتباع المسيح و يبشر بالنصرانية، وغيّر اسمه إلى بولس، وتذكر المصادر المسيحية أن بولس هذا كان على درجة من الذكاء والبلاغة وقوة التأثير في الخطاب.

وانضمَّ بولس إلى اتباع المسيح وكان تأثيره عليهم كبيراً، وكان يخرج معهم للدعوة، فكان تأثيره عظيماً على المدعوين، لكن قاصمة الظهر بالنسبة لآثار دعوته التي أراد أن يبلغها هو القول بربوبية المسيح، وأنه ابن الله، (تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً).

وتمضي الأيام والسنون ويحتدم الجدال بين أتباع بولس وأتباع السيد المسيح حول طبيعة المسيح هل هو عبد الله ورسوله كباقي الرسل؟، أم هو الرب وابن الله؟، واستمرَّ هذا الصراع المحتدم بين الفريقين إلى بداية القرن الرابع الميلادي حيث قرَّرت الدولة الرومانية الوثنية المسيطرة على الشرق الأوسط حسم النزاع بين الموحدين أتباع أريوس بعد ذلك وبين من يقولون بالتثليث أتباع بولس الرسول (كما تسميه الكنيسة) وذلك حفاظاً على أمن الشعوب التي تحكمها الامبراطورية الرومانية، فعمد قسطنطين الامبراطور الروماني لعقد مؤتمر عام في نيقية عام 325م ومع أن القائلين بالتوحيد في هذا المؤتمر كانوا هم الأكثرية بالنسبة للقائلين بالتثليث إلا أن الامبراطور رجح القول الثاني (لأنه يناسب عقيدته الوثنية) مع التهديد والوعيد، فخرج المؤتمر باعتماد القول بالتثليث عقيدة رسمية مع الوعيد لمن خالفها وبعد ذلك اعتنقت الامبراطورية الرومانية العقيدة الجديدة عقيدة التثليث، ولذلك قيل إن الامبراطورية لم تتنصر وإنما النصرانية ترومت. (أي تحولت إلى الرومانية الوثنية).

وهكذا انتهى هذا الفصل التآمري لليهود على الديانة النصرانية الربانية عقيدة التوحيد، واستبدالها بعقيدة وثنية اجتالتها عن طبيعتها الربانية إلى ديانة أقرب ما تكون إلى الديانة الوضعية ( من صنع البشر).

 

عبدالله بن سبأ في الإسلام

وقد عاد المكر اليهودي من جديد ليكرر المحاولة مع الإسلام في فجر دعوته وفي مهده الأول، وقد بدأت أنواره تسطع في أنحاء الجزيرة العربية وخارجها، فعمدت فرقة الكبالا (أو القبالا وهي فرقة يهودية أشبه بجهاز أمني سري) إلى دفع عبدالله بن سبأ والذي تجمع المصادر السنية والشيعية على أنه من أصل يهودي من صنعاء باليمن، أسلم في زمن عثمان رضي الله عنه، كما تُجمع هذه المصادر على أنَّه أول من قال بالغلو في تاريخ الإسلام (انظر فرق الشيعة للنوبختي - عالم شيعي من القرن الثالث الهجري -، والفَرق بين الفِرَق لعبد القاهر البغدادي، والتنبيه والرد للمالطي، والمقالات للأشعري)، وقد تجلَّى غلوه في مناح كثيرة أهمها:

1ـ الطعن في الصحابة، والتبرؤ منهم، وتأليب الناس على الخليفة عثمان رضي الله عنه مستغلاً بعض الأخطاء التي أخذها عليه، ويقول النوبختي (شيعي): وكان ممن أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة، وتبرأ منهم، وقال: إنَّ علياً أمره بذلك (ص40). 

ويذكر ابن كثير: أن سبب تآلب الناس على عثمان أنَّ رجلاً يقال له عبدالله بن سبأ كان يهودياً فأظهر الإسلام، وسار إلى مصر فأوحى إلى طائفة من الناس أن علياً أحق بالأمر (أي: الخلافة) من عثمان، وعثمان معتد في ولايته. ( البداية والنهاية 7/1670).

2ـ غلوه في علي رضي الله عنه، يقول النوبختي (شيعي): إنَّ ابن سبأ هو أول من شهر القول بفرض إمامة علي عليه السلام (ص41). ويقول الشهرستاني والرازي والمالطي والأشعري: إن ابن سبأ أول من أظهر القول بالنص على إمامة علي رضي الله عنه.

ويذكر المؤرخون أنَّ علياً لما بلغه غلو ابن سبأ فيه همَّ بقتله فنهاه بعض أصحابه عن ذلك حتى لا يختلف أصحابه عليه، فنفاه إلى المدائن بالعراق فافتتن به الرعاع بعد قتل علي رضي الله عنه (البغدادي مصدر سابق (ص233)).

ويقول البغدادي (مصدر سابق): فلما قتل علي رضي الله عنه نفى ابن سبأ قتله وزعم أنَّ علياً صعد إلى السماء (وهو ما يعتقده النصيريون في علي رضي الله عنه) كما صعد إليها عيسى ابن مريم عليه السلام، وأنه سينزل إلى الدنيا وينتقم من أعدائه (ص233). 

ويذكر الشهرستاني في كتابه الملل والنحل: أنَّ ابن سبأ زعم أنَّ علياً حلَّ فيه الجزء الإلهي وهو الذي يجيء في السحاب فالرعد صوته والبرق تبسمه، وأنه سينزل بعد ذلك إلى الأرض فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً (1/174).

وهكذا فنحن أمام شخصية يهودية من أكبر الشخصيات المثيرة للجدل في صدر التاريخ الاسلامي، فأوليات ابن سبأ التي اشتهر بها كثيرة منها:

1 – الغلو في علي وآل البيت والقول بالنص على علي رضي الله عنه بالإمامة.

2– الطعن في الصحابة الآخرين بل تكفيرهم.

3 – القول بغيبة الإمام ورجعته. إلى غير ذلك، وأن من الأمور التي لا تقبل الجدل أن هذه الأوليات الثلاث السبئية أصبحت فيما بعد من أصول العقيدة لدى الشيعة الرافضة.

ولنا أن نتساءل: ما العلاقة بين آراء ابن سبأ وبين أصول الشيعة الرافضة؟ 

يجيب على هذا التساؤل محققو أهل السنة بأن ابن سبأ كان على دين اليهود، وتظاهر بالدخول في الإسلام ليفسد على المسلمين دينهم بغلوه في علي رضي الله عنه مستغلاً قُربَه من الرسول صلى الله عليه وسلم فهو ابن عمه وصهره زوج فاطمة الزهراء، وأول من أسلم من الصبيان إضافة إلى صفاته الشخصية من الشجاعة والبلاغة والفصاحة والكرم، لكي يعتقد المسلمون في علي كما حرف بولس (شاؤل سابقاً) اعتقاد النصارى في عيسى عليه السلام، أنه مكر يهودي مدبر لإفساد عقيدة الإسلام الصافية عقيدة التوحيد لتلحق بالعقيدة النصرانية المحرفة.

وقد تنبَّه لهذا التشابه بين ضلالات ابن سبأ وبين أصول الرافضة المؤرخ الشيعي الكبير النوبختي (هو أبو الحسن بن موسى النوبختي صاحب المصنفات ومن كبار متكلمي الإمامية ومن أعلامهم في القرنين الثالث والرابع الهجري) فقال: ومن هنا قال من خالف الشيعة أن أصل الرفض مأخوذ من اليهودية (فرق الشيعة ص/ 40 ).

قلت: لا شك أنه تساؤل وارد على الرافضة، وهم مُطالبون بالإجابة على هذا الإشكال الخطير الذي يستهدف صلب المذهب الرافضي، والذي كان سبباً في انقسام الأمَّة وضلال الرافضة عبر تاريخ الأمة المسلمة.

فأين العقلاء والمنصفون والمحققون منهم؟.

على كل حال فإن التآمر اليهودي لم يحقق بفضل الله هدفه في إفساد عقيدة التوحيد لهذه الأمَّة فبقيت عقيدتها صافية نقية، سوى ما ترك من أثر على طائفة منهم وهم الشيعة الرافضة، أو من يسمون أنفسهم بالإمامية، أو الاثني عشرية.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين