فراق الأبناء في نماذج من الشعر الحديث

ماذا يفعل الفراق في قلوب الأبوين؟ وكيف يحتملان هذا الأمر؟

حين تهتز المشاعر، وتنبض بالأحاسيس المرهفة فإن الشعر أصدق في التعبير عن مثل هذه اللحظات! قد يكون الفراق اختياريا حينا، واضطراريا أحيانا أخرى، وأيا كان فإن نبض المعاناة يهتف برقة المشاعر وأنين الفراق.

يقول عمر بهاء الدين الأميري في رائعته (أب) يصور هذا المشهد:

بالأمس كانوا ملء منزلنا=واليوم – ويح اليوم - قد ذهبوا

ذهبوا! أجل ذهبوا،ومسكنهم=في القلب ماشطوا وماقربوا

وهل يبكي الرجل عند الفراق؟ نعم يبكي عندما يكون أبا، وقد خلا البيت من الأبناء، وهم لم يغادروا قلبه لحظة واحدة: قد يعجب العزال من رجل=يبكي؟ ولو لم أبك فالعجب!

هيهات ما كل البكا خَوَرٌ=إني وبي عزم الرجال أب

واما خالد البيطار في قصيدته (أولادنا) فإن صمت المنزل بعد رحيلهم لم يأت بالراحة التي كان ينشدها:

أرسلتهم حتى يزوروا جدهم=وأريح نفسي من عناء معضل

أحسست بالصمت المخيف وبالأسى=وحسبت أن الموت آت يبتلي

وصبرت لكن لم أطق صبرا به=فنهضت أمشي مشية المتعجل

وحملتهم ورجعت للنعمى التي=هي من هبات المنعم المتفضل

وللشاعر حسن حجاب الحازمي قصيدة بعنوان (حسّان) تتكرر فيها التجربة، يعود إلى البيت فلا يجد الصخب المحبب، ولايسمع الضحكات الأثيرة التي كانت تملؤه أنسا وبراءة، فيتصور له طفله في كل زاوية من زواياه:

حسان غاب فلاضحك ولالعب =لاشيء في الدار إلاوحشة تثب

إلا الزوايا تحيل الصمت أسئلة=عن الصغير الذي يحلو له اللعب

أين الصغير الذي ماانفك مبتسما=يجر خطواته نحوي ويضطرب

يعود ينهض لكن لاتطاوعه=أقدامه ثم يثني عزمه التعب

وأما محمود مفلح فيصور شوق الأهل إلى ذلك الغائب الذي لم يحسب حسابا لعواطفهم ويخص الأم بمزيد الشوق ؛ لأن قلب الأم ليس يشبهه قلب،وعاطفتها لاتماثلها عاطفة:

كتبت إليك هل وصل الكتاب=وهل بعد الرحيل إذاً إياب

كأنك لاتقيم لنا حسا با=أما للأهل – ياولدي – حساب!؟

ولكن لايعرف الشوق إلا من يكابده!!

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين