فِي سُدْفَةِ الرُّوحِ لاحَ الفَجرُ وانتَشرا=مُمزِّقًا سُجُفَ الأغْيارِ والسُّتُرَا
مُبدّدًا عَتْمَةً فِي القلبِ مُوحِشةً=ليُسْفِرَ الصُّبْحُ عَن أنْسٍ قَد انهَمَرا
وافَاكَ يا قَلبُ ما وافَى الدُّنَا قِدَمًا=فَرَكْبُهَا تَاهَ في صَحْرائِها عُصُرا
لا حَقَّ إذْ ذاكَ يُروي النّاسَ مِن ظَمَأٍ= لا عَدلَ يُرجَى وبَاتَ اليأسُ مُستَعِرا
إذْ أطبَقَتْ مِن ظَلامِ الكفرِ غَاشِيَةٌ= فأُوصِدَ البابُ ، غُمَّ القَلبُ وانفَطَرا
ما ثَمَّ إلّا انتِظارُ المَوتِ فِي رَهَبٍ=أو رَحمَةٌ لِتُغيثَ الأرضَ والبَشَرا
فافْتَرَّ ثَغْرُ الدُّنَا عَن خَيرِ مُنتَظَرٍ=تَكادُ طَلْعَتُهُ أنْ تَخطِفَ البَصرا
وافَى البَشيِرُ مِن المَوْلَى ورَحمَتُه=بِفُلكِ نُورٍ فَلا ألْواحَ أو دُسُرا
ألْقَى القَمِيصَ على أرواحِهِم فَرَأتْ=جَنائنَ الخُلدِ و اكْتَظّ المَدَى زَهَرا
لا عاصِمَ اليومَ مِن أنْوارِ طَلْعَتِه=مَن ذا يَرُدّ طلوعَ الشّمسِ و القَدَرا
كَم عَتْمَةٍ مِن دَياجِي الجَهِلِ عَاتِيَةٍ=قَد بَدَّدَتْها .. فَمَا أبْقَت ولَن تذَرا
رَوَّى قلوبَهُمُ من راحَتَيه هُدىً=فَفاضَ مِنها ليُروِي عالَمًا كَبُرا
فاهتزَّتِ الأرضُ من غَيثٍ هَمَى ورَبَت=وأزهَرَت قِيَمًا لَذَّتْ بِها ثَمرا
جُذىً تَوَقَّدُ عِشقًا فِي الوجودِ لَه=و أُمّةً سادتِ الآفاقَ والعُصُرا
ماشَقَّ بَحرًا ! و لكِن كانَ أصبُعه=إذا أرادَ يَشُقُّ الأرضَ والقَمرا
مِن غَارِه جاوزَ السّبعَ الطِّباقَ عُلًا=لِيَرتَقي مُرتقًى عَليهِ قَد قُصِرا
ويَخصِفُ النّعْلَ ، أُدمُ الخَلِّ مُؤنَتُه=كَم شَدّ مِن سَغَبٍ يَومَ الطُّوى حَجَرا
جَلَّتْ مَعانِيه عَن وَصفٍ يُطاوِلُها=فمَا يُحاطُ بِها إلّا بِما يَسُرا
طَيَّ السرائرِ قد باتَت نَفائِسُها=ما زَالَ يوسُفُها في الجُبِّ مُنتَظِرا
فَلم يُطِق وصفَه ابن العاصِ مُعتذرًا=بِعَجزِهِ عَن تَمَلِّي حُسنِه نظَرا
أَيَرتَجي ذاكَ مَن نَاءَت كَواهِلُه=بما جَناهُ فَما وَفَّى وما بَصُرا
لولا جَليلُ بيانٍ من مُصوّرِه=فيهِ لَمَا انكَشَفَ المَكنونُ أو ظهَرا
مُحمّدٌ ! و يُصلّي الكونُ أجمَعُه=علَيه والمَلأُ الأعلى إذا ذُكِرا
سِرُّ الحياةِ جلِيٌّ حينَ تَذكرُه=يهتاجُ خافقُها وَجدًا إذا خَطَرا
فَردٌ ، يتِيمٌ ، شريدٌ ، لا نَصِير لَه=في بَطنِ صحراءَ ذاقَ المُرَّ والصَّبِرا
دانَت لهُ الأرضُ وانقادَت لَه أُمَمٌ=فكانَ ما أبهَرَ الدُّنيا بِه عِبَرا
يُنبِيكَ ما شِيدَ من أمجادِ أُمّتِه=عمّا بناهُ بِها مَعنىً ومَا عَمَرا
ما تَمَّ عِقدُ الهُدى إلا بِطَلعَتهِ=مِسكُ الختامِ تَجَلّى عَرْفُه بَشَرا
بُردُ الجَلالِ على ألطَافِ صُورَتهِ=حُسنٌ تَفرّدَ في مَعناهُ ما كَدُرا
صَلّى عَليهِ الذِي زَكّاهُ في خُلُقٍ=مَدى الدُّهورِ ومَا رَقّ الهَوى سَحَرا
جميع المواد المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول