فتنة المسلمين في الغرب

 

الحمد لله والصّلاة والسّلام على سيّدي رسول الله وعلى من والاه ولَزِم غرْزه وبعد،

 

لطالما أرّقتني مسألة هجرة المسلمين ومكوثهم الدّائم في بلاد الغرب، قضيّة تُطرح من حين لآخر وتدور حولها النّقاشات الماراتونيّة بين مؤيّد منبهر متحمّس ومعارض مغالي متشدّد، بل وصل الأمر ببعضهم أن أقنع نفسه بأنّ الإسلام سيُبعث من جديد من تلك البلاد، يليه كلام للمفكّر محمّد عبدو من قبيل "رأيت في تلك البلاد إسلاماً ولم أرى مسلمين"... 

 

ولكي أوفّر على من سينبري ويزايد قائلاً وكاتباّ أنّ أهل مكّة أدرى بشعابها، وهو كلام بالمبدأ حقّ إن أُحسِن إسقاطه، أردّ بأنّي مكثت في بلاد الغرب مقيماً قرابة ?? عاماً ورزقني المولى بمولودين هناك قبل أن أحزم حقائبي وأعود سالماً بفضل الله وحده ورحمته، وخلال حرب أهلية طاحنة إلى ديار المسلمين خوفاً على دينهم...وديني!

 

الموضوع لا يقتصر على حسن تربية الوالدين ورعايتهما وحرصهما، لأنّ ما دون ذلك تحدّيات كبرى تواجه هذه الجهود وتجهضها ضمن دوّامة صراع حضاري تعطي أسباب ووقائع التّفوّق الماديّ الكاسح الغلبة لحضارة الغرب ومنظومتها الفلسفيّة للدّين والحياة...إلّا من تداركهم الله برحمته وهم ندرة لا يُعتدّ بهم ولا يُحتَجّ...

فالمدرسة والجامعة من جهة، والرّفاق من جهة، والتلفاز من جهة، وغيرها الكثير ما يضيق المجال لذكره والتّوسّع فيه، إضافة إلى ما ينبهر به المرء من عقد اجتماعي منظّم ورعاية صحّيّة وخدمات مميّزة ومنظومة مؤسّساتيّة متكاملة...كلّ ذلك يصبّ في اللّاوعي ويساهم بطريقة لا شعوريّة في عمليّة الانبهار الكبير الّتي تسبق الإندماج والذّوبان، أو الوصول في أحسن الأحوال إلى معايير نسبيّة تلوي أعناق الأحكام والنّصوص مراعاة لضرورات كثيرة ومتكرّرة تصبح غالباً بعد فترة قصيرة هي الأصل وعندها الفصل...

 

لم يعد يخفي الغرب الحاقد عداءه السّافر للإسلام كما نفهمه ونسعى له نحن، بل وصلت به وقاحته حدّاً يريد من خلال ابتزازنا في ثرواتنا وأرزاقنا وحرّيتنا وحقوقنا المدنيّة المشروعة وحتّى التّلاعب بأرواح أطفالنا، وما يدور من مكر وغدر على أرض بلاد الشّام لأكبر شاهد عليه...يريد أن يملي علينا الإسلام الّذي يقبل به هو، كمرحلة أخيرة قبل أن يجهز علينا نهائيّا وبلا رجعة...

{وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ}

 

لكن هيهات هيهات وأنّى لهم ذلك والتّوحيد ينبض في عروقنا!

ومتى عرفنا ذلك منهم في بلادنا نحن، فكيف لنا أن نأمن لمكرهم وغدرهم لنا في بلادهم هم؟

 

للموضوع أصول كثيرة في شريعتنا الغرّاء تنير دروب الحائرين، وفروع عديدة تدحض كلام المشكّكين، ولكن لا بدّ من تجديد الدّراسات والبحوث في أعماق مشكلة خطيرة ضاع فيها الملايين ومرشّح أن يضيع أكثر فأكثر إن لم نتدارك هذه المخاطر ونؤصّل لفتاوى ودراسات علميّة وبحوث نقديّة تضع كلّ فردٍ مسلم يؤمن بالله ورسوله واليوم الآخر أمام مسؤوليّاته، فالمسلم يحمل أوّلاً وأخيراً رسالة ترسم له "خارطة الطّريق" في حياته وتحدّد خياراته وموازينه...أو هكذا ينبغي أن يكون!

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين