فإن كنَّ نساءً

سؤال يحتاج إلى تدبر وتأمل، وهو لماذا اختار الله تعالى التعبير بلفظ "نساء" في قوله: {فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} [النساء: 11] بدلا من كلمة "إناثا" مثلا؟

***

فأقول سائلا الله تعالى الرشاد، ومنه أستمد العون والتوفيق والسداد:

يرجع ذلك - والله أعلم بالصواب – إلى أن لفظ الأولاد لما كان شاملا للذكور والإناث، وكانت أنصبة كل منهما مختلفة، لزم ذكرهما عند التفصيل، والحكمة من العدول عن لفظ الرجال والنساء إلى الذكور والإناث؛ ألا يُتَوهم أن الميراث يَئُول إلى الكبار من الأولاد الذين بلغوا مبلغ الرجال والنساء دون الصغار، فلفظ الذكور شامل للرجال وللصبيان، ولفظ الإناث شامل للنساء والفتيات الصغيرات.

هناك أمر آخر متعلق بنظم الآية، فنظم تلك الآية (النساء: 11) مرتبط بنظم الآية 176 من السورة، فما سُكِتَ عنه في إحداهما ذكر في الأخرى، فلما كانت البنت الواحدة ترث النصف، وكذلك الأخت الواحدة ترث النصف، سُكِتَ - عند ذكر البنات - عن حالة البنتين إلى ذكر ما فوق الاثنتين، لكون ذلك معلوما من حال الأختين لأنهما ترثان الثلثين، فكذلك البنتان، وكذلك سُكِتَ عن ميراث الأخوات إذا تعددن ولا أخ معصب لهن؛ لكونه محمولا على قوله تعالى عن البنات: {فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} [النساء: 11]، إذن هناك ارتباط وثيق بين نظم الآيتين.

ولما كان الكلام في الآية 176 عن الإخوة، والإخوة لا يتوارثون إلا في حال موت الأب؛ إذ الأب يحجب الإخوة فلا يرثون معه، وكان التوارث لا يقع إلا إذا كان الموروث له مال، ولا يكون ذلك غالبا إلا في سن الكسب وهو الرجولة، إذ الصغير غالبا لا مال له، قيل: {وَإِن كَانُوا إِخْوَةً رِّجَالًا وَنِسَاءً} ثم أحال إلى ذلك القانون المذكور في حال الأولاد: {فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ} [النساء: 176]، فصارت العبارة كأنها "قانون عام" فناسب ألا تختلف ألفاظه باختلاف مواضعه.

وفي حال انفراد البنات بالميراث لعدم وجود الأبناء الذكور، فقد قال تعالى: {فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ}، فذُكِر لفظ "النساء" هنا بدلا من "الإناث" لارتفاع الإبهام الذي ورد عند ذكر لفظ "الأولاد" من جهة، ومن جهة أخرى لأن الميراث يُدفَع إلى الوارث إذا بلغ سن الرشد وهو سن الزواج، لقول الله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6]، والبنت إذا بلغت النكاح فقد بلغت مبلغ النساء وسميت امرأة، وامرأة تجمع على نساء، وكذلك الصبي إذا بلغ مبلغ النكاح سمي رجلا.

والله أعلم.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين