عيد الأضحى المبارك ودروس في التضحية والفداء

لقد من الله عز وجل على الأمة الإسلامية بالأعياد وجعلها فواصل زمنية بين العبادات يأتي عيد الفطر عقب فريضة الصيام كما يأتي عيد الأضحى عقب فريضة الحج إلى بيت الله الحرام فربط سبحانه وتعالى كل عيد من الأعياد بعبادة عظيمة من أفضل العبادات فعندما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة كما روى أبوداود والنسائي في كتاب صلاةالعيدين : وجد الناس هناك يتخذون يومين  يلهون ويلعبون فيهما فسألهم ماهذان اليومان؟ قالوا: يارسول الله هذان يومان كنا نلهو ونلعب فيهما في الجاهلية فنحن نلعب فيهما أيضا بعد الإسلام.  وهما يوم النيروز ويوم المهرجان فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم :(  إن الله ابدلكم خيرا منهما عيدالفطر وعيد الأضحى )    وعيد الأضحى المبارك الذي نحن بصدد الحديث عنه هو عيدنا الأكبر  لأنه يوافق اليوم الذي أكمل الله فيه الدين للمسلمين وأتم النعمة على عباده المؤمنين وأنزل قوله تعالى في حجة الوداع  :(  اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا )فالله عز وجل قد رضي لنا الإسلام دينا بل رضيه لكل الخلق ولا يقبل من أحد دينا سواه  (إن الدين عند الله الإسلام )(ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ) وإختيار الإسلام لنا دينا من نعم الله الكبرى ومننه العظمى فالمولى القدير سبحانه وتعالى أنعم علينا بنعم كثيرة لايحصيها عد ولايحيط بها علم  (وإن تعدوانعمة الله لاتحصوها)(ومابكم من نعمة فمن الله )لكن أعظم النعم وأكمل المنن وأفضل العطايا الإلهية التي أكرمنا الله بها هي نعمة الهداية والتوفيق لهذا الدين العظيم الذي أكمل الله بنيانه ورفع شأنه وأختاره ورضيه لعباده  وهذه النعمة العظيمة تتطلب الشكر للمنعم المتفضل سبحانه وتعالى وشكر هذه النعمة أن نعمل بها ونعمل من أجلها أن نطبق هذا الإسلام في واقعنا وحياتنا كلها كما أمر الله عزوجل وبين رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم وأن نجاهد بالنفس والمال وأغلى وأعز مانملك لنصرة الإسلام الذي أكرمنا الله به 

في يوم عيد الأضحى يقف حجاج بيت الله الحرام مهللين مكبرين فرحين مستبشرين بما نالوا من رضوان الله العظيم وخيره العميم تتلألأ قلوبهم بالنور وتشع وجوههم بالبشروالسرور يرجون رحمة الرحيم المنان وينالون بفضل الله  تعالى الرضوان 

هذا يوم التضحية والفداء فطوبى لمن ضحى بشهواته ونزواته لإرضاء الله عزوجل وهنيئا لمن جاهد نفسه وهواه وسار على الطريق الذي رسمه من خلقه وسواه في هذا اليوم المبارك يجتمع الحجيج في منى لذبح الهدايا ويشاركهم كثير من المسلمين في أنحاء الأرض بذبح الضحايا 

واليوم يذهب حجاج بيت الله الحرام إلى منى  لرمي الجمار وطعن الشيطان ويهتفون باسم الله الله أكبر لايهتفون بإسم زعيم ولاكبير ولاينادون بإسم قومية ولااشتراكية وإنما يهتفون بإسم الله لأنهم يعبدون الله وحده ويكبرونه وحده فلا إله غيره ولارب سواه 

ويعقد حجاج بيت الله الحرام مؤتمرهم الثاني في منى بعد أن عقدوا بالأمس مؤتمرهم  الأول والأكبر والأهم في عرفات تحقيقا لقوله عزوجل :( ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات)

إن عيد الأضحى المبارك يذكرنا كذلك بالتضحية والفداء يذكرنا بالإبتلاء الكبير والإمتحان الصعب الشديد وقت أن إبتلى الله عزوجل نبيه وخليله إبراهيم عليه السلام أعظم إبتلاء حيث أراه في المنام  (ورؤيا الأنبياء حق) أن يذبح ولده فلذة كبده وقرة عينه ومهجة فؤاده ولده الذي رزق به على الكبر فماذا فعل إبراهيم؟ ذهب لولده وقال له :(يابني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال ياأبتي أفعل ماتؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين ) 

فعرض إبراهيم الأمر على ولده ليشركه في أمر الإمتثال لله عزوجل فكان إمتثال إبراهيم أولا لربه ثم كان إمتثال إسماعيل لله أيضا ثم من بعد ذلك إرضاء أبيه فقال إسماعيل :ياأبتي أفعل ماتؤمر ولم يقل ياأبتي إفعل ماتريد أوماتراه لأنه يعلم أن الآمر هو الله عزوجل وأن والده إبراهيم مأمور من الله وأنها إرادة الله تعالى وليست إرادة إبراهيم وحكم الله لاحكم أبيه إبراهيم قال الولد الصالح العابد لربه المطيع لوالده :ياأبتي إفعل ماتؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين  يالعظمة الإيمان واليقين بالله عزوجل  يالروعة التربية الإيمانية والأخلاق النبوية لم ينسب إسماعيل لنفسه القوة والشجاعة والإقدام ويتفاخر بذلك وإنما يعطينا درسا في عظمة التواضع والإستسلام لله عزوجل وإلتماس العون والمدد منه سبحانه ويؤمل في الله تعالى أن يمده بقوة اليقين و الصبر على هذا البلاء الكبير وعندما أسلم إسماعيل عنقه لأمر الله ولينفذ فيه أبوه حكم الله أثني عليه والده ودعا له بخير كما جاء في بعض الروايات قائلا:نعم العون أنت يا بني على أمر الله. ياله من موقف أليم وعجيب نرى والدا شيخاكبيراطاعنافي السن يرزق بغلام حليم رشيد يرى فيه شبابه يتجدد فيشكر ربه قائلا:(الحمدلله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق إن ربي لسميع الدعاء) وحينما تتم النعمة يبدأ الإمتحان ويكون إمتحانافذا عجيبا لايختار سوى الفتى المأمول لايمرض إسماعيل ولايغرق في بحر ولايحرق بنار وإنما يذبح ومن يذبحه؟أبوه بسكين فيها قطع وحز وإمرار وتكرار بيد الوالد الشيخ الكبير ولكن الأمر لله عزوجل الذي له ما أخذ وله ما أعطى وكل شئ عنده بأجل مسمى 

إن إبراهيم عليه السلام كان خليل الرحمن ومنصب الخلة عند الله عظيم وكان إسماعيل أحب الناس إلى أبيه فأراد الله عزوجل أن يكون إبراهيم خالصا له فقال: (له إذبح ولدك في مرضاتي)  ولذلك حينما شمر إبراهيم ساعده وتأهب للذبح قال:(اللهم تقبله مني في مرضاتك)فعلم الله صدق نبيه فأوحى إليه كما قال بعض العارفين :ليس المراد أن تذبح ولدك إنما المراد أن تفرغ لنا قلبك فإذا فرغت لناقلبك رددنا عليك ولدك

إنها قصة النجاح في أصعب إمتحان وهو إمتحان الحب لله عزوجل كأن الله عزوجل يقول له :هل يستوي حبك لولدك مع حب الله أم أن حبك لله أكثر فكان حب الله عزوجل عند إبراهيم أكبرو 

أعظم  إنها دروس وعبر في حب الله تعالى والثقة فيه ودوام التعلق به وحده عزوجل ودروس في التضحية فهذا إسماعيل الذي كان في مقتبل العمر وطموح الأمل كاد أن يضحي بحياته طاعة لله وبرا بوالده فتوهب له الحياة يرضى بالموت والفناء عن الدنيا فيمنح البقاء ويخلد له الثناء درس التضحية يعلمنا كذلك بأنه لو فرض علينا ديننا أن نضحي بأعز وأغلى ما نحب ونملك لضحينا بأعز وأغلى مانحب ونملك ولو وصل الأمر أن نضحي بأولادنا فلذات أكبادنا في سبيل الله فإن إبراهيم عليه السلام كاد أن يذبح ولده ويضحي به طاعة لله 

أيضا هذا العيد يذكرنا بالنصر على الشيطان الذي أراد أن يثني إبراهيم عن طاعة ربه فرجمه إبراهيم بالحجارة ولذلك خلد الإسلام هذا الحدث برجم الجمرات في منى رمزا لطعن عدو الله إبليس وقهره وإغاظته

دروس وعبر نتعلم منها أن نكون على إستعداد لأن نضحي بكل شئ ومتاع دنيوي في سبيل رفعة الدين وإرضاء رب العالمين 

التضحية سمة من سمات المسلم لأنه يريد الخير يريد الفوز يريد السعادة الأبدية يريد الجنة (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة)

وأهل الباطل أحيانا يضحون من أجل باطلهم(إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون )  فحري بنا نحن المسلمين أهل الحق والخير أن نضحي من أجل الحق والخير الذي حبانا الله عزوجل به نحمله وننشره  ونعمل به وندافع عنه 

نسأل الله العلي القدير أن يهيئ لنا من أمرنا رشدا ويجعلنا من عبيده السعداء وأن يجعله عيد خير وبركة وفتح للمسلمين في كل مكان وان يغير أحوالنا إلي خير حال وكل عام والأمة الإسلامية جمعاء  بخيروعز ونصر وتمكين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين