عن جيل

ظهرت منذ فترة نغْمةٌ جديدة لدى بعض الشباب أو الكُتاب تعزف على لحن عجيب، وهو أن جيل "العجائز" هو جيل الخنوع والعيش "جنب الحيط" و"جوّا الحيط"، وهو جيل المذلة والانكسار والعبودية للطغاة، وأن "الشباب" ناقمون على هذا الجيل، ولن "نصبر" أو "نحتسب" ما يقع من ظلم كما فعل جيل "العجائز".

 

وصحيح أن الشباب - كما وصفه الإمام حسن البنا - "كان - قديمًا وحديثًا في كل أمةٍ - عمادَ نهضتها، وفي كل نهضة سر قوتها، وفي كل فكرةٍ حامل رايتها"، وهم الذين آوَوْا ونصروا.

 

والذي أراه أن هذا القول - في الفقرة الأولى - يمثل جنايةً وتطاولا على هذا الجيل، وهضما لحقوقه، وبطرا للحق، وغمطًا لجهاده الطويل وصبره العجيب، وهو عين الكبر الذي عرّفه النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه: "بطر الحق وغمط الناس".

 

أيها الجيل "الشاب": 

من الذي علمك الشوق للحرية والتضحية في سبيلها؟

هل تعلمتها من مناهج التعليم المصري في مختلف مراحله؟

هل تعلمتها من المسرح الماجن؟

هل تعلمتها من الأفلام الداعرة والمسلسلات الهابطة؟

هل تعلمتها من وزارة ثقافة الملاحدة والزنادقة؟

هل تعلمتها من ممارسات الداخلية بمختلف مؤسساتها؟

 

إذا أردت أن تثبت ذاتك، وتبين فضلك، وتبرز شجاعتك - وأنت أهل لذلك وجدير به - فلا يكن على حساب الآخرين بهضم حقهم، والتقليل من شأنهم، والتغطية على جهادهم وجهدهم وتضحياتهم، فلولا هؤلاء الذين تصفهم بـ"العجائز" لما كنا نحن الشباب، ولولا تضحياتهم وصبرهم وحكمتهم لما وصلنا إلى ما نحن فيه الآن؛ إذ السعي للحرية والتحرر هو رصيد متراكم عبر الأجيال، يُسلِّمه جيل إلى جيل، ويبنيه جيل بعد جيل...

 

كنت مع أحد الأصدقاء العراقيين، وتذاكرنا أوضاع تركيا التي تستحق دراسة تجربتها والإفادة منها، وقال لي : سبحان الله! الشعب التركي هذا منذ 15 سنة فقط كان عندنا متعلم عليه بعلامة (x) ولا نتعامل معهم ولا نحسبهم من الشعوب، وكانت تركيا أكواما من القمامات، وكان الفرد لا يساوي شيئا، فانظر ماذا حدث الآن. أصبح شعب له قيمة وله تقديره، ويحترم بعضه بعضا، بل ربما شعر بالأنفة والعزة على باقي الشعوب!

 

فقلت له هذه نتيجة طبيعية حين تعيش الشعوب الحرية، والإرادة، وتجفف منابع الفساد، فتعود الثروة والخيرات على الجميع، أما حين كان يحكم العسكر الذين يرون أنفسهم سادة، والشعب عبيدا، فلابد أن يكون التخلف والمرض والجهل والقمامات!

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين