عند الكوارث لنكن أكثر إنسانية - الكوارث تبين معدن الإنسان

عند الكوارث ..لنكن أكثر إنسانية !

طاهر


لم يكن هناك قطرة ماء تدل على وجود مطر جميل في ذلك المكان ، بل كان هناك دمار مذهل مرعب ، تلال رملية ، أشجار منزوعة ، آلاف السيارات المهشمة ، نفايات مكدسة ، أثاث تالف ، طين لازب ، بهائم ميتة ، وجوه حزينة ، أعين مفزوعة ، منازل منزوعة الأبواب ، أخشاب متراكمة ، أناس وضعوا كمامات على وجوههم وروائح جثث مطمورة ، صوت نائحة بالقرب ، أناس يبحثون عن ذويهم وآخرون عن مركباتهم المحطمة ، البحث في كل مكان ، في المنازل والحدائق وقنوات الصرف وصناديق النفايات والحفر المطمورة بالماء والطين ، أناس مستنفرة في كل مكان ، وصرخات كل حين تنبئ بأن هناك جثة بين الركام ، نحاول أن ننتشل أكبر عدد من الجثث ، قبل أن تنبش عنها الكلاب في آخر الليل !
كل هذا لم يكن في حي عشوائي بل في حي تنظيمي مشهور يطل على طريق الحرمين ، أصبح المكان مزاراً للناس ، الجميع كان مصدوماً ، فما يرى على أرض الواقع يفوق بمراحل ما يرى في وسائل الإعلام ، على الواقع كان الدمار الشامل !
 السكان مصدومون ، والذهول مسيطر على وجوه الغرباء !
 حقيقة ..
رغم كل ذلك يا سادة كان ينقصنا الكثير لنكن أكثر إنسانية !
فالكوارث عمياء لا تميز بين البشر ، ونحن لازلنا نعاني من الأوبئة التي في دواخلنا ، فكم من إنسان مكسور قد دمر مسكنه وخسر مركبه وربما فقد فلذة كبده يأتي الى اللجنة ليطلب مأوى فيرفض طلبه بحجة أنه ( غير سعودي ) !
رغم ذلك فرد واحد قد يحقق معنى الاحتواء !
 الوعي العميق ..
الكارثة التي حدثت لم تقدم لنا الدمار فقط بل قدمت لنا أيضاً فوائد عظيمة منها أن نعيد النظر في كل من حولنا حتى في الجمادات ، إن الكوارث تأتي بالوعي العميق ، فكثير ممن جرفهم السيل و أنقذهم شجر الطرقات والحدائق ، أصبحوا الآن ينظرون إلى الشجرة بعطف وأن لها الفضل في حياتهم الثانية ، لذا لابد أن نعيد النظر في تعاملنا مع حدائقنا و أشجارنا !
( بشرى ) التي جرفها السيل وألقى بها في أحد (البدرومات) لم تجد سوى خروفاً تتشبث به حتى جاء الدفاع المدني وأنقذها ، إذن حتى الحيوان لابد أن نعيد النظر في تعاملنا معه !
إذا كان لابد أن نعيد النظر في تعاملنا مع الجمادات والحيوانات ، فكان لزاماً أن نؤمن أننا بشر لا ينبغي أن يفرق بيننا لون وجنس وعرق !
 المقيم البطل ..
( رجل الأمن ) البطل الذي كتب معاناته في جريدة الوطن قبل أيام والذي كان يحاول إنقاذ الناس في طريق الحرمين ثم جرفه السيل إلى شارع عبدالله السليمان من أنقذه يا سادة ؟!
 أنقذه أخ سوداني ، أخذ بيده إلى الحياة وربما يكون هذا الأخ المقيم هو نفسه الذي طردته اللجنة وحرمته المأوى ورفضنا أن نقدم له يد العون بحجة أنه ( غير سعودي )   !
( سامي ) في طريق مكة القديم غرق هو وسيارته في الماء وكاد أن يهلك لولا لطف الله ثم بطولة بعض أخواننا ( الصعايدة ) الذين ربطوا أنفسهم بحبل وأنقذوه وأنقذوا معه الكثير !
(الأخ الباكستاني) الذي أنقذ أربعة عشر نفساً ( سعودية ) ثم ذهب إلى ربه شهيداً بإذن الله ما الذي دعاه ليعمل ذلك بعد أن عُومل بجلافة في أكثر من مكان بحجة أنه ( غير سعودي ) !
يا من هم حديثو عهد بكارثة ، نحن الذين لم نعتد على المطر إلا أمل وبسمة ورقصة بريئة فوق أسطح منازلنا ، وأفواه تباشر قطرات من السماء حديثة عهد بربها ، هاهو المطر يعلمنا دروس الحياة ومنها أن نكون كياناً واحداً في دنيا الله !
 سكان شرق العروس..
أحبتي أراد الله سبحانه وتعالى أن يبين لنا أنه بقطرة ماء تتغير الموازين والقوانين فيصبح النفيس رخيصاً والمنيع منتهكاً والراسي عائماً ، كل ذلك بسبب قطرة اجتمعت بأخرى ، أراد الله أن يوحي لنا أن كل عظيم هو هين عند الله وكل محكم هو متهالك بقدرة الله ..
وأن الرحمة التي نضحك لرؤيتها أحياناً قد تكون درساً منه سبحانه ، درساً غير تقليدي لنتعلم الكثير وليخرج الخبث وأهل الفساد والخونة الذي خانوا الله وخانوا أماناتهم وعهدهم ووطنهم ولم يراعوا حق الوطن والمواطن !
 المتربصون ..
الآن نحاول أن نستدرك الوضع ، نحاول أن نجبر العضو المكسور ، ولكن المصيبة أن هناك من يتربص بنا ، نحن الآن نلهج أن يكون القطر (حوالينا ولا علينا) ولكن ماذا سنفعل للسيول المتنقلة التي قد تداهمنا في أي وقت ؟!
بحيرة المسك الغول النائم الذي لا ندري متى يصحو ، وإذا حدث ذلك فقد يدمر كل شيء ويهتك عذرية سبعة عشر حياً من أحياء العروس !
أخيراً ..
ستمر الأيام وستتغير الأوضاع وستصحح الأخطاء وستقوم مشاريع على أشدها حتى لا تتكرر المأساة وسننسى مشاهد الرعب والدمار ، ولكن لن ننسى جيراننا وأحبابنا وسكان الشرق الذي قضوا غرقاً وهم شهداء بنص الحديث النبوي الشريف ، حتى وإن قامت أحياء من خيال لن ننسى أن هناك أجساد ترقد تحت التراب والحصباء فارقت أرواحها النقية المعطرة بالشهادة وعرجت إلى أماكن آمنة مطمئنة .
 سلام على تلك الأرواح المبللة بعبق الشهادة الساكنة دار المقامة السرمدي الأبدي هناك حيث لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين