عمرو بن عبيد الناصح الصادق

رجال ومواقف

عمرو بن عبيد الناصح الصادق


(1)

عمرو بن عبيد – رجل

عمرو بن عبيد: "يحدِّث نفسه بصوت هادئ" يا عمرو، يا ابن عُبيد، ما الذي يريده أمير المؤمنين منك؟ إنَّ لك لَشغلاً آخر، يغاير ما عليه أمير المؤمنين. أنت يا ابن عبيد عالم، والعلماء هم ورثة الأنبياء، فما مجلسك إلى أمير المؤمنين ومن معه، إنَّ لك لَشغلاً آخر، إنَّ لك لَشغلاً آخر. درسٌ تُعلِّمُه، أو مسألةٌ تُبيِّنها، أو حلالٌ تدعو إليه، أو حرامٌ تنهى عنه، خيرٌ من مجلسك عند أمير المؤمنين، حيث يقل الصالحون ويكثر الطامعون. "صمت ثم باب يُفتَح ووقع أقدام"

الرجل الداخل: السلام عليك يا عمرو بن عبيد ورحمة الله وبركاته.

عمرو: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته.

الرجل: علامَ عوَّلتَ يا عمرو، أذاهبٌ أنتَ إلى الخليفة أبي جعفر المنصور؟

عمرو: ما لي وللخليفة، ما لي وللخليفة، أمَا مِن هذا الذهابِ بُد؟

الرجل: ويحك يا عمرو، إذا انقطع أهل الخير عن ذوي الأمر، ألا يخلو الجو للآخرين من ذوي الأهواء؟

عمرو: صدقت والله، إنها لَحُجَّة. لكن الدخول على ذوي الأمر فيه ما فيه.

الرجل: أنت وما تختار يا عمرو، لكن دخولك ليس كدخول أحدٍ سواك، فأنت تصدع بالحق، وتُخلِصُ في النصح.. "صمت" ثم إن الخليفة يعرف قدرك ومنزلتك.

عمرو: وأنا والله أعرف قدره ومنزلته، لقد ثبَّت الله به الدولة، ونشر العدل، وقمع الفِتَن، وأعزَّ الإسلام. "صمت" لكنَّ عليه مآخذ وهفوات.

الرجل: "بعد صمت" الأمر لك يا عمرو، لكني أنصحك بالذهاب.

عمرو: "بعد صمت" على بركة الله، لأذهبنّ، ولأقولنَّ الحق بإذن الله.

(2)

عمرو – المنصور – سليمان بن مجالد

المنصور: مرحباً بك يا عمرو.

عمرو: مرحباً بك يا أمير المؤمنين.

المنصور: قلَّما تزورنا يا عمرو.

عمرو: يُكثِرُ زيارتَك يا أمير المؤمنين من يرجو أن يجعلك سُلماً لمطامعه.

المنصور: "بعد صمت" كلامك، كلامٌ صادق وإن أوجع.

عمرو: يُوجِعك مَن يحرص عليك، أما الطامعون فلهم دربٌ آخر.

المنصور: عظني يا عمرو!..

عمرو: "في صوت هادئ حاسم" يا أمير المؤمنين، إن الله عز وجل يقفك ويسائلك عن مثقال ذرة من الخير والشر، وإن الأمة خصماؤك يوم القيامة.

المنصور: زدني يا عمرو!..

عمرو: إن الله عز وجل لا يرضى منك إلّا ما ترضاه لنفسك، "صمت قصير" ألا وإنك لا ترضى لنفسك إلّا بأن يعدل عليك، ألا وإن الله عز وجل لا يرضى منك إلّا بأن تعدل في رعيتك.

المنصور: "في صوت حزين هادئ" صدقت، صدقت!.. زدني بالله يا عمرو!..

عمرو: أين ينتهي نسبك يا أمير المؤمنين؟

المنصور: إلى العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم.

عمرو وسليمان: صلى الله عليه وسلم.

عمرو: أليسَ في قربك من النبي صلى الله عليه وسلم ما يكون حافزاً لك للتأسِّي به واتباع سنته؟ "صمت، يتابع عمرو بعده الحديث" أين آباؤك يا أمير المؤمنين؟

المنصور: أفضوا إلى ما قدَّموا.

عمرو: وستلحق بهم عمّا قريب وتفضي إلى ما تُقدِّم فأحسن الزاد.

سليمان: يا عمرو لقد شققتَ على أمير المؤمنين.

عمرو: يا أمير المؤمنين من هذا؟

المنصور: أخوك "صمت" سليمان بن مجالد.

عمرو: "في صوت حازم مرتفع بعض الشيء" يا سليمان، إن أمير المؤمنين يموت، وإن كل ما تراه يفقد، وإنك جيفة غداً بالفناء. "صمت" يا سليمان، لن ينفعك إلّا عملٌ صالحٌ قدَّمتَه. يا سليمان، قربُ من يشتد على أمير المؤمنين بالحق، خيرٌ له من قربك أنت إن كنت تطوي عنه النصيحة، وتنهى من ينصحه. "صمت"

المنصور: أمَا والله يا عمرو، لَأنت وأمثالك الرجال.

عمرو: يا أمير المؤمنين، إنَّ سليمان وأمثاله، اتخذوك سلماً إلى شهواتهم.

المنصور: فأصنع ماذا؟ ادعُ لي أصحابك أجعل منهم الولاة.

عمرو: بل ادعهم أنت.

المنصور: وكيف أدعوهم، وهم بك يقتدون، ونحن نلقى منك ما نلقى؟

عمرو: ادعهم بعملٍ صالحٍ تُحدِثه، فسيأتون إليك معاونين لا طامعين.

المنصور: وعُمّالي يا عمرو، كيف لي بصلاحهم؟

عمرو: استعمل في اليوم الواحد عمّالاً سواهم كلما رابك منهم ريب، وإن أنكرتَ على أحد منهم فاعزله وولِّ غيره، "صمت" فوالله لئن لم تقبل منهم إلا العدل، ليَتقربنَّ به إليك مَنْ لا نية له فيه. "صمت"

المنصور: زدني يا عمرو!..

عمرو: إنَّ ما قلته يا أمير المؤمنين، ليوفي على الغاية إن وُفِّقتَ إليه. أتأذنُ لي يا أميرَ المؤمنين؟

المنصور: مصاحباً محفوظاً يا عمرو.

          "صوت باب ووقع أقدام"

المنصور: يا سليمان بن مجالد..

سليمان: لبيك يا أمير المؤمنين.

المنصور: يا سليمان، أرأيت إلى عمرو!؟ هو وأمثاله الرجال.. "في صمت هادئ خاشع ينخفض رويداً رويداً حتى ينقطع" هم الرجال، هم الرجال، هم الرجال!..

*****


جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين