على هامش التاريخ الإسلامي صلة المسلمين بتاريخهم

 
 
 
 
ماهر سقا أميني
 
عندما عزمت على كتابة مقالات شهر رمضان المبارك اتجه تفكيري باتجاه جمع قصص للصالحين في القرن العشرين والواحد والعشرين، وعندما أخذت رأي من حولي اصطدمت بآراء من مثل: وماذا عن قصص الصحابة والتابعين؟ وهل يوجد صالحون في هذا الزمان؟ ولم تعرض عن خير القرون؟ مما أشعرني بوجود مشكلة يعانيها تقريباً كل المسلمين في صلتهم بالتاريخ الإسلامي، فالطابع العام الذي يتركه الخطاب الإسلامي الوعظي والأثر الذي يتركه ما كتب ويكتب في التاريخ الإسلامي يكاد لا يعني إلا شيئاً واحداً وهو أن (الصلاح) بالمفهوم الواسع محصور في القرون الأولى، وأن القدوات الحسنة تكاد تكون منعدمة فيما بعد القرن الرابع أو الخامس الهجري، ولكن ما الذي يعنيه هذا الأداء؟ ألا يعني ذلك بعد المسافة بين المسلم اليوم وبين معاني الصلاح من تقوى وورع وزهد واستقامة وكرم وحلم عندما لا يوجد أمثلة على هذه المعاني إلا في السابقين؟ وقد أثارت لدي هذه الردود رغبة كانت تراودني بين الفترة والأخرى في أن أعالج صلة المسلمين بتاريخهم بشكل خاص وبتاريخ العرب والعالم بشكل عام، لأشير إلى ضرورات تصويب بعض أوجه الخلل في هذه الصلة مقترحاً شكلاً آخر لهذه الصلة يتفق مع ما وصل إليه علم التاريخ المعاصر .
 
لقد قرأنا التاريخ الإسلامي ودرسناه على الشكل التالي: غزوة بدر وقعت في سنة كذا، انتصر فيها المسلمون، نتائج الغزوة وآثارها، غزوة أحد وقعت في سنة كذا، هزم فيها المسلمون، نتائج الغزوة وآثارها، حتى إن القارئ لا يكاد يعلم من حياة النبي عليه الصلاة والسلام في المدينة المنورة إلا الغزوات والسرايا والرسل الذين أرسلهم إلى الملوك وفتح مكة وحجة الوداع ثم وفاته عليه الصلاة والسلام، ومن الواضح أن قراءة للسيرة النبوية وللتاريخ الإسلامي على هذا الشكل لن يبقى منها في العقول شيء، وأنها تهمل أهم ما في هذه السنوات وهو بناء جيل الصحابة رضوان الله عليهم وتكوين مجتمع إسلامي نادر يكون أسوة لكل من جاء بعده، من دون أن يعني ذلك احتكار الصلاح فيه وانعدامه فيما بعده .
 
ثم إن كتّاب التاريخ الإسلامي المعاصرين يمارسون انتقائية غير نزيهة في عرضهم لأحداث التاريخ ولو أنهم اقتدوا بأمثال ابن كثير والطبري وابن عساكر في جمعهم لكل الأخبار لكان هذا أقرب إلى الموضوعية والنزاهة، ولعل هذا من نتاج تصور نجم عن عقدة في العقل الإسلامي المعاصر هي عقدة التقديس والتبجيل الذي ينسحب على أكثر بكثير مما هو بالنص مقدس ومبجل، وهذه التصفية لأحداث التاريخ مهما كانت النية والدافع وراءها عملية غش موصوفة لا تحترم المسلم المعاصر، وتعتبره قاصراً عقلياً أو في أحسن الأحوال غير ناضج وغير مؤهل لفهم تاريخه والفصل بين قدسية المبادئ وظهوراتها النسبية في الأشخاص، فالتاريخ الإسلامي اليوم كما هو موجود في الخطاب الإسلامي الراهن قائم على تقسيم الأشخاص إلى ملائكة وشياطين ولا ثالث لهما، مع أن العصمة بالنصوص القطعية محصورة في الأنبياء فقط، وهو قائم على البحث في النوايا والتطفل على السرائر، وهذا أمر ليس له صلة بمنطق ولا عقل ولا علم، كما أنه قائم على حركة تاريخية ليس لها صلة بما قبلها وبما بعدها ولا صلة بالظروف الزمانية والمكانية الاجتماعية والاقتصادية والمعرفية التي حدثت في ظلها .
 
إن أبطال التاريخ الإسلامي كما هم موجودون في الخطاب الإسلامي الراهن هم أقرب إلى أن يكونوا أشخاصاً نزلوا من السماء لا فرق بينهم وبين الملائكة الذين مد الله تعالى بهم جيش المسلمين في غزوة بدر، ولقد تناولت هذا الموضوع في يوم من الأيام فأقام البعض الدنيا على رأسي ولم يقعدها وقال لي أحدهم: إن التاريخ مملوء بالطامات ولكن ما فائدة ذكرها؟ قلت لنفهم تاريخنا ونفيد منه فليس من شأننا الحكم على الأشخاص ولا إدخالهم الجنة والنار، إنما نفيد من التاريخ ما به تصلح أمور حياتنا، وذلك لن يكون إلا بمطلق النزاهة والموضوعية .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين