على هامش التاريخ الإسلامي ثنائية الحق والباطل

ماهر سقا أميني
 
تسيطر ثنائية (الشرك - التوحيد)، أو (الحق - الباطل) على مجمل المكتوب في التاريخ الإسلامي بغض النظر عن أية متعلقات أخرى لا بد أن توجد مع كل حركة إنسانية على سطح الأرض، ومن الواضح أن هذا يسطح أشكال الصراعات التي كان المسلمون طرفاً فيها، إضافة إلى كونه يقصي الكثير من الآثار التي يمكن أن تكون مما يستقاد فيه من الآخر، ويعقد الكثير من العلاقات داخل العالم الإسلامي على اختلاف مذاهبه وملله .
 
فعندما نزلت رسالة السماء على رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يكن عتاة قريش ممن قاوموا الدعوة وصبوا على المسلمين ألوان العذاب مؤمنين بالأوثان التي يعبدونها إيماناً يجعلهم يبذلون الغالي والرخيص بل ويضحون ويقاتلون من أجلها فيما بعد، إنما شعروا أن هذه الرسالة ستؤدي إلى إلغاء العبودية لغير الله فضلاً عن المصالح التي كانت وراء كل وثن من الأوثان الموجودة داخل البيت الحرام أو حوله، فأبو جهل وأمية بن خلف وغيرهما ممن وقفوا في وجه الإسلام لم يكونوا (متدينين مخلصين لأوثانهم) بقدر ما كانوا حماة لمصالحهم وزعامتهم التي هددها الدين الجديد، لقد اهتم الباحثون بدراسة الحياة الدينية ما قبل الإسلام وقد تبين - فضلاً عن الوظائف الدينية للأوثان ودور الأسطورة فيها وآثار الحضارات الأخرى والشعوب المجاورة في تشكيلها - أن وراء الأوثان كانت هناك دائماً أنواع من المقايضات بين الزعماء المروجين لعبادة الأوثان ورجال القبائل العاديين بحيث يستغل الزعماء حاجة الأخيرين إلى معرفة أصول الأشياء وإلى إشباع الحاجات الروحية الدينية مقابل مكاسب مادية تتمثل في القرابين والنذور وأجور السدنة وخدمة الأوثان، إضافة إلى سن القوانين التي يرغب بها الأسياد على العامة مهما كانت درجة لا معقوليتها وإجحافها .
 
من جهة أخرى عندما هاجر النبي عليه الصلاة والسلام إلى المدينة المنورة كان أول عدو له هو عبدالله بن أبي بن سلول رأس المنافقين بعد أن تبدد حلمه في التاج الذي كان يصنعه له أهل يثرب لينصبوه ملكاً عليهم .
 
وبعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام وفي سقيفة بني ساعدة حيث اجتمع الأنصار والمهاجرون، وكادت فتنة أن تقوم لولا أن لحقهم عمر الفاروق وأبو بكر الصديق، رضي الله عنهما، كانت هناك عوامل عدة للاختلاف تمثلت في شعور أهل المدينة بأن هذه بلدهم وشعور المهاجرين أنهم السابقون للإسلام وقول آخر بضرورة أن تبقى الخلافة في قريش أو في بني هاشم، وكل هذا لا يقلل من قيمة الصحابة الكرام عندما نناقش هذه العوامل كما كانت في العقل العربي منذ خمسة عشر قرناً لا كما ننظر إليها اليوم في القرن الحادي والعشرين .
 
وعندما وقعت الفتنة بين الصحابة الكرام بعد استشهاد عمر، رضي الله عنه، وصولاً إلى استتباب الأمر للأمويين كانت هناك أسباب معقدة للخلاف جعلت الحق يقف في وجه الحق كما يقف الحق في وجه الباطل .
 
 وهذه اللحظة التي استمرت لسنوات كانت لحظة تشظي الأمة إلى مذاهب ومدارس أساء كتبة التاريخ الإسلامي عندما حاكموها بميزان الحق والباطل والصواب والخطأ فقط من دون فهم الظروف الاجتماعية والسياسية والفكرية التي أدت إلى نشوئها، ولو أنهم نظروا إلى إخلاص كل فصيل من هذه الفصائل في الدفاع عن وجهته بعيداً عن الشيطنة والأيقنة لأفسحوا مجالاً للفهم والتبصر وبالتالي لأمكن-ربما- نزع فتيل الفتن الطائفية التي لاتزال تطحن في الأمة إلى يومنا هذا .
 
إن ما تجب الإشارة إليه والتأكيد عليه هو أن ابتسار حركة التاريخ واختزالها إلى صراع بين الحق والباطل، بين الملائكة والشياطين، بين المخلصين والمنافقين، بين التوحيد والشرك، هو سوء فهم وسوء تقدير وسوء قراءة للتاريخ فضلاً عن كونه مع عدم علميته وعدم موضوعيته ينأى بالفكر الإسلامي عن الإفادة من مختلف التيارات الفكرية التي نشأت فيه متأثرة بالظرف التاريخي أو نتيجة الاحتكاك بالثقافات الأخرى مادام سيسم كل (فكر) لا يتفق مع (الحق) المدرسي أو المذهبي بأنه (باطل) مطلقاً ومن صنع الشيطان.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين