على هامش التاريخ الإسلامي تاريخ للإسلام أم للمسلمين؟


ماهر سقا أميني

 

لعل من أخطر ما في تعامل المؤرخين المعاصرين ممن يهتمون بالتاريخ الإسلامي أنهم يكتبون ويدعون إلى كتابة تاريخ للإسلام لا تاريخ للمسلمين، وهم بهذا يوقعون أنفسهم ومن يقرأ لهم في حرج كبير، فضلاً عن المغالطات العلمية التي يضطرون للوقوع بها والتي يلبسون بها على كل قارئ لهم، فالإسلام رسالة نزلت من السماء على النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم في لحظة زمنية معينة، وقد مثلها جيل الصحابة رضوان الله عليهم ونقلوها بكل أمانة وتضحية وفداء لمن جاء بعدهم، وقد أمرنا بنص واضح وصريح بالاقتداء بجيل الصحابة وبعدم الخوض فيهم، وهذا أمر إيماني يلتزم به كل مؤمن من باب طاعة الله ورسوله، أما بعد ذلك فليس للإسلام تاريخ وإنما هو تاريخ للمسلمين الذين قد يحسنون ويسيئون، فضلاً عن أن الإنسان (كل مركب ومعقد) لا يحركه إيمانه فقط، وإنما تتدخل عوامل كثيرة قد يصعب حصرها وإحصاؤها وبيان آليات تأثيراتها الفردية والجمعية في رسم ملامح التاريخ، وفي ظني أنه ما من أحد يجرؤ على كتابة تاريخ للإسلام، بل يمكن القول: إن الإسلام لا تاريخ له كدين كامل وكرسالة خاتمة، في حين أنه يوجد تاريخ للمسلمين يرسم كل معالم حياتهم وصعودهم وهبوطهم وانتصاراتهم وانكساراتهم ورقيهم وانحطاطهم ومدى تمثيلهم لقيم الإسلام الكامل أو عدم تمثيلهم، ولعل المؤرخين القدامى كانوا أكثر صدقاً مع أنفسهم ومع الآخرين عندما نقلوا كل الأخبار حتى المتعارضة والمتناقضة بدافع الأمانة العلمية، حيث لم يكونوا واقعين تحت ضغط سوء الفهم هذا في أزمنة لم تكن فيها الذات الإسلامية مصابة بالانجراحات والهزائم والعقد النفسية والفكرية الموجودة اليوم .

 

 

عندما نقرأ في تاريخ ابن كثير أو تاريخ الطبري لا نجد هذا الحرص الشديد في نقل الأخبار وفرز الصالح منها وعدم ذكر غيره حرصا على ألا يمس الإسلام، فالإسلام لم يكن ولن يكون متهماً أو معرضاً للأخطار كما يتصور المؤرخون الإسلاميون المعاصرون، لقد نقل إلينا مؤرخو الأمس أخباراً عن الرجال لو تركت لأصحابنا المعاصرين لأخفوها ومسحوها من صفحة التاريخ بالكامل، مع أن ذكر منقصة في رجل أو في جماعة أو أمة في فترة من الفترات لا يعتبر نقصاً في الدين، يقول أحد المعاصرين: إن التاريخ السياسي هو أسوأ ما في التاريخ الإسلامي، ولكنه خط أسود في صفحة بيضاء، لماذا هذا الحرص على أن يكون تاريخ البشر المنتمين إلى الإسلام أبيض ناصعاً كأنه تاريخ لكمال الإسلام وجماله؟ ثم إن كل البشر يخضعون للنسبية الزمانية والمكانية والتاريخية والمعرفية، ما كان صحيحاً في مرحلة يمكن ألا يكون صحيحاً في يوم آخر، ألا نقرأ في كتب التفسير القديمة أحيانا تفسيرا لبعض الآيات الكونية كان متسقاً مع الزمن الذي كتب فيه؟ هل هذا ينتقص من قدر أولئك المفسرين؟ ثم إن المؤرخ نفسه لا يعترف بكل ما أنجزته الحضارة الإسلامية في ميادين العلوم والمعارف لأن أصحابها مجروحو العقيدة ينتمون إلى الجاهلية بشكل من الأشكال، أين البياض إذاً لكي نبحث عنه؟ ولماذا الحرص على البياض والإشراق المبالغ فيه؟ الأمم الأخرى اليوم لا تحمل هم تلميع صورة الأسلاف بهذه الصورة، تاريخنا كتاريخ غيرنا فيه الطيب والخبيث، والصالح والفاسد، والحق والباطل، كما أننا نحن المسلمين اليوم فينا كل هذا الطيف، والنفاق بالتظاهر بالاستقامة الملائكية حتى في ما بيننا هو نوع من الكذب والتزوير، لماذا لا نعترف بالضعف الإنساني فينا وفي أسلافنا؟ لماذا كل همنا أن نظهر أمام الناس وبينهم أشخاصاً كاملين؟ الإسلام أكبر مني ومنك ومن كل رجال تاريخنا وإلى يوم القيامة، وحتى التواضع بيننا نوع من المراءاة، لأننا كمسلمين يجب أن نكون كاملين . من قال هذا؟ مرة اختلفت مع شخص يعمل في الإمامة والخطابة في علاقة تجارية،كل ما ذكرته أنه يغالي في السعر، فاعتبر ذلك إدانة له ولملائكيته ونسبته إلى الإسلام، مع أنني لم أشر في حديثي إلى غش أو احتكار، إلى متى سنكذب على أنفسنا وغيرنا ونقول إننا نكذب حرصاً على الإسلام؟

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين