علتان في الخطاب الإسلامي

ماهر سقا أميني
 
فيما عدا القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة الصحيحة والمأثور المتواتر عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لابد من إعادة قراءة وتقييم التراث الإسلامي في ضوء الجدل مع الواقع وفرز الثابت عن المتغير والمحلي عن العام والعالمي .
 
وليس في هذا تقليل من قيمة التراث الإسلامي فهذه هي طبيعة الأشياء، إذ عندما يبدأ العقل البشري بالتعامل مع النصوص يستخدم وسائله المعرفية المحلية المؤقتة، فجهود السابقين مقدرة لهم ويؤخذ منها الكثير إلا أنه لامبرر لعقم الأمة عن إيجاد أمثال الشافعي أو الشاطبي أو الغزالي أو الفخر الرازي .
 
يهيأ للمرء أن المسألة تتصل بعلتين نفسيتين تمثلان سبب ما نحن فيه من قصور نسبي في الخطاب الإسلامي، الأولى هي حالة من الكسل العقلي الموجود ربما في خطابات أخرى كثيرة، فكما أن العلمانيين يعتمدون في معظم ما ينتجونه من فكر على ما أنتجه الغرب ناقلين عنه بعجره وبجره وبمحليته وعالميته نجد أن المسلمين فيما ينتجون من فكر يعتمدون على ما أنتجه السلف وكفى الله المؤمنين القتال .
 
والعلة النفسية الثانية هي عقدة التبجيل التي تجدها في كل أنحاء الخطاب الإسلامي، وأقصد بعقدة التبجيل المبالغة في الإطراء والاعتبار وربما التقديس لكل ما هو موجود في التاريخ والتراث الإسلامي، وهذه علة تظهر في أكثر من جانب في الخطاب الإسلامي، فكل التاريخ الإسلامي مشرق وعظيم، وكل التراث الفقهي والتشريعي صحيح وصالح، وكل علوم التوحيد التي أنجزت في التراث الإسلامي قيمة وباقية، وربما يقع خلف عقدة التبجيل هذه نوع من الورع بعضه محمود، ولكن التبجيل يجب ألا يعمينا عن المؤقت والمرحلي والخاطئ والقاصر .
 
ثم إن مايصلح في زمن قد لا يصلح في زمن آخر مما أنتجه السابقون، فالخلافة على سبيل المثال مصطلح أخذ أشكالاً متغيرة عبر التاريخ الاسلامي،وإذا كان هناك مبرر للحرص على المصطلح فإن محتواه يجب أن يختلف عن الأشكال التاريخية السابقة بالإفادة من العلوم السياسية الحديثة بما فيها من طرق وتقنيات لإدارة المجتمعات وتحقيق الشورى والديموقراطية مع الحفاظ على الثوابت الاسلامية، والمشكلة في خطاب بعض الإسلاميين أنهم ينادون بعودة الخلافة كما كانت في القرون السالفة من دون الإفادة من تجارب الآخرين وقراءة النصوص (القرآن الكريم والسنة المطهرة) قراءة جديدة يصلح بها أمر المسلمين في القرن الحادي والعشرين وبعد أن قطعت البشرية أشواطاً كبيرة على مستوى العلم والإدارة والتنظيم، القرآن الكريم والسنة المطهرة فوق التاريخ ولكن جهود القراءة والتأويل مجبولة بالتاريخ والمرحلي، وبالتالي لابد من إعادة صياغة وهيكلة المصطلحات والمفاهيم الإسلامية من خلال قراءات جديدة للنصوص في ضوء المنجز المعرفي المعاصر .
 
فيما يسمى بعلم نفس الشعوب حديث عن طبقات نفسية شعورية ولا شعورية، واعية ولا واعية، محلية، تختلف من شعب إلى شعب، ومن بلد إلى بلد، ولابد من فهم حقيقة وطبيعة هذا الاختلاف حتى لا يكون الخطاب الإسلامي واحداً وعلى وتيرة واحدة لكل الناس في كل الأزمنة وكل الأمكنة .
 
أكتب هذه السطور في يوم جمعة بعد الصلاة، وقد استمعت إلى خطبة يهيأ لسامعها أن صاحبها قد جاء من القرن الثالث الهجري، فمع كثرة الآيات والأحاديث التي ذكرها عابرة ولو وقف عند واحدة منها مبيناً آفاقها لأحسن- ملأ خطبته بالسجع والإنشاء والتكرار واستخدام كل المرادفات الممكنة للتعبير عن فكرة واحدة، وهذا أسلوب لم يعد من هذا الزمان سيما أن خطبة الجمعة تكاد تكون اللقاء الوحيد في حياة كثير من الناس مع من يخاطبهم عن دينهم، فالخطبة كما سمعتها تمثل العلتين معاً، علة الكسل العقلي في الاعتماد على المأثور والموروث حتى في اللغة المستخدمة، وعلة التبجيل التي لا ترى إلا كل مشرق في حياتنا وكل مظلم ومعتم عند الآخرين .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين