علامة الإسلام إلى رحمة الله

علامة الإسلام إلى رحمة الله

جمال محمود أبو حسان

لما بلغ المتنبي وفاة جدته التي كان يحبها حبا كثيرا، قال من الفجيعة بها:

طوى الجزيرة حتى جاءني خبر               فزعت فيه بآمالي إلى الكذب

ولما توفي قيس بن عاصم التميمي رثاه عبدة بن الطبيب قائلا:

وما كان قيس هلكه هلك واحد             ولكنه بنيان قوم تهدما

واليوم جاءنا خبر وفاة علاّمة الإسلام بلا منازع الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوي ففجعنا فيه غاية الفجع وأصابنا ما أصابنا لولا أن تداركتنا آيات الله التي تنادي علينا (كل نفس ذائقة الموت) فكان هذا العزاء الذي ينبغي أن نتعزى به، إضافة إلى أن الأمة الإسلامية منيت بفقد أعظم إنسان على وجه الأرض حتى قال القائل يعزي الأمة الإسلامية في كل مصاب بعده بقوله:

اصبر لكل مصيبة وتجلد               واعلم بأن المرء غير مخلد

وإذا ذكرت مصيبة تسلو بها           اذكر مصابك بالنبي محمد

ولا شك أن مصيبة المسلمين بفقد القرضاوي مصيبة كبيرة، وإذا كان عبدة بن الطبيب قد قال عن قيس بن عاصم ما قال، فإني اليوم أقول: ما كان القرضاوي موته موت واحد ولكنه بنيان أمة تهدما.

حقا لقد كان القرضاوي كذلك، رجل نذر نفسه لدين الله، فقد نافح عن القران في وجه الملاحدة والعلمانيين، ونافح عن السنة في وجه من يريد إقصاءها، ونافح عن أمة الإسلام من شرقها إلى غربها، عالم نحرير نذر حياته للعلم والدعوة، كان مع الصحوة يوم ضاقت بها بلاد العرب والمسلمين، داعية صادقا إلى الله تعالى، ضاقت به البلاد التي ولد فيها، على الرغم من سعتها، لأن القائمين عليها لا يتحملون كلمة الحق من لسان عالم نحرير كالقرضاوي، لم يقف لسانه ولا قلمه عن نشر دين الإسلام والدفاع عنه، فعرفته المحابر كما عرفته المنابر.

لم يكن القرضاوي العلامة معصوما ولكنه كان يسعى إلى الحق بكل ما يملك من قوة، فوقف في وجه الظالمين والجبابرة المتنفذين، وهاجم المتطرفين الذين شوهوا صورة الدين في الأنفس والآفاق، حسبه من الفضل أن جيلا كاملا أو جيلين وأكثر قد تربى على كتبه، كتب الله لكتبه القبول في الأرض فطافت الدنيا كلها، حاول حياته كلها أن يظهر فقه الإسلام ومحاسن الدين فشارك في المؤتمرات والندوات في جميع أنحاء العالم، وقف سدّا منيعا أمام الجهلة الذين شوهوا عقيدة الإسلام ولم يأل جهدا في إيضاح باطلهم، وقف في وجه بعض الحكام الظالمين فناله ما ناله من السجن والعسف، ولكنه كان يجاهد لأجل دين الإسلام، فما وهن لما أصابه، لقد كان القرضاوي في هذا الزمان أمة وحده فسحائب رحمات الله عليه آناء الليل وأطراف النهار، وإنا إذ نشهد بما علمنا فما علمناه من أنه في الدنيا يا دكتور يوسف قد فازت وربحت مساعيك "والآن سوف النوادب تبكيك"

فرحمات الله عليك في الدنيا إلى يوم القيامة، وأسال الله الكريم أن ينظر إلى هذه الأمة نظر رحمة فيعوضها بك خيرا، وهذه الأمة ولاّدة، وبإذن الله سيتداركها الله برحمته.

تلك نفثة مصدور على صفحة تملؤها السطور

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين