علاقة الفقيه بالمثقف

نقصد بالفقيه العالم المختص بالعلوم الشرعية، ونقصد بالمثقف المطّلع على العلوم الشرعية والمهتم بها دون أن يصل إلى مستوى المختص، وغالب هؤلاء المثقفين مختصون بعلوم أخرى كالطب والهندسة والقانون والاقتصاد ..الخ وعليه فقد يكون الفقيه نفسه مثقفا في هذه التخصصات، فنقول: فقيه لديه ثقافة طبية، كما نقول: طبيب لديه ثقافة شرعية، ولا مانع أيضا من الجمع بين تخصصين أو أكثر.

الفقيه في كثير من الأحيان يشكو من تدخلات المثقف واستشكالاته خاصة تلك التي تنم عن جهل في أصول (الصنعة) ومبادئها، والمثقف قد يشكو أيضا من ممارسة الفقيه لنوع من الوصاية، ومطالبته له بـ (السمع والطاعة) واحترام العلماء الذين هم (ورثة الأنبياء).

في رأيي أن ضبط العلاقة بين الطرفين أصبح الآن ضرورة، ليس لفك الاشتباك وتحقيق (الصلح)، وإنما لاعتقادي أن حاجة الفقيه إلى المثقف لا تقل عن حاجة المثقف إلى الفقيه، فهما يتكاملان في صياغة الصورة النهائية للخطاب الإسلامي الواعي والهادف والقادر على حل مشاكل المجتمع، ومن دون هذا التكامل والتشارك، سنشهد ثغرات كثيرة في فتاوى المفتين وفي تصورات المثقفين.

إن المثقف هو:

1- نافذة الفقيه إلى التخصصات الأخرى.

2-نافذته كذلك إلى الواقع الذي لا يمكن استنباط الفتوى له قبل تشخيصه تشخيصا دقيقا.

3-والمثقف قادر على نقد الفتوى بإثارة التساؤلات والاستشكالات، فهذا متاح له، وهذا من شأنه أن يساعد المفتي على أن تكون فتواه أكثر إتقانا وانضباطا.

4-كذلك فالمثقف الواعي والأمين هو أداة توصيل الخطاب الفقهي إلى المجتمع بالصورة التي يفهمها المجتمع.

5- وهو كذلك عين تراقب أي انحراف في توجه المفتين للتمييز بين المجتهد الصادق في اجتهاده وإن أخطأ، وبين أولئك الذين يأكلون الدنيا باسم الدين، ويتقربون للطغاة بصناعة الفتوى على مقاسهم.

أما محاولة بعض المثقفين تقديم أنفسهم بدلاء عن الفقهاء فهي ظاهرة تعبّر عن خلل فادح إما في توجّه المثقف نفسه وتربيته الذاتية، وإما في اهتزاز الثقة بأهل الاختصاص بشكل عام.

أما حاجة المثقف إلى الفقيه فهذه أصل لا يمكن تجاوزها مهما بلغت ثقافة المثقف، فلكل علم أهله، ولكل صنعة رجالها.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين