عظمة الإسلام - مظاهر عظمة الإسلام
عظمة الإسلام
 
د. موسى الإبراهيم
 
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن والاه، وبعد:
قال الله تعالى: (إن الدين عند الله الإسلام)
وقال تعالى: ( ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين)
وقال تعالى: (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين)
وقال تعالى: ( ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين)
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أوتي القرآن وظن أن غيره أوتي خيراً منه فقد حقر عظيماً وعظم حقيراً).
إن عظمة هذا الدين هي سر وجوده وحياته وخلوده، وهي باعث اعتزاز لكل من ينتمي لهذا الدين ويسير على هديه ويتفيؤ ظلاله ويقتفي آثاره، وهذه العظمة صفة لازمة لهذا الدين، وهي صبغة له ولمن يتدين به ويتعبد الله بالمنهج الذي جاء به هذا الدين العظيم.
فمن حيث شاء المرء أن ينظر لهذا الدين يجده عظيماً وفوق مستوى البشر فكراً وحقائق وقيماً ومبادئ وشكلاً وموضوعاً وشعاراً وجوهراً، وسأشير موجزاً إلى أهم المرتكزات التي تتجلى من خلالها عظمة الإسلام والتي تبعث على الاعتزاز بهذا الدين والفخر بالانتماء إليه.
وحتى لا يأخذنا الاستطراد أو يتشعب بنا الحديث، فسأقصر الكلام على المرتكزات التالية:
- عظمة المرسل         - عظمة الرسول         - عظمة الرسالة
فالإسلام هو رسالة الله تعالى إلى خلقه أرسل بها رسوله ومصطفاه محمداً صلى الله عليه وسلم، فكان خاتم الرسل والأنبياء الذين سبقوه بحمل الرسالة إياها إلى أممهم وأقوامهم.
فالمرسِل هو الله رب العالمين سبحانه وتعالى، وهو الخالق والمصور، خلق الخلق وهو أعلم بهم وبما يصلحهم أو يفسدهم، وهو سبحانه العليم الخبير، ليس أحد من خلقه أقرب إليه من غيره من حيث الخلق والإيجاد والفطرة والعبودية، وليس في الكون أحد أعلم بالخلق من خالقهم ومنشئهم ومبدعهم (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير).
وإنه لنوع من التطاول والجحود أن يزعم البشر أنهم أعلم بالخلق ممن خلقهم، وأنهم أقدر على إصلاح البشر ممن فطرهم وأنشأهم خلقاً بعد خلق، وطوراً بعد طور، وهو أعلم بما في نفوسهم من نفوسهم.
ومن رحمته سبحانه بخلقه أنه لم يتركهم وحدهم بل سخر لهم سبل الرشد الفاضلة، ودلهم عليه ببعثة الرسل والمؤيدين بما يعجز العقل عن محاكاته، وأقام الحجة عليهم بالآيات المقروءة والمنظورة، ليكون الناس على بينة من أمرهم فيحيى من حي عن بينة ويهلك من هلك عن بينة، إنه الله القادر القاهر الرحيم الحكيم الغفور الحليم جل في علاه تعالت أسماؤه وتقدست صفاته، عرفه أصفياؤه بجليل آياته، وجهله أشقياء خلقه بغفلتهم وطيشهم ورعونتهم.
فـفي كل شـيء لـه      آية تدل على أنه الواحد
 
هذا هو المرسِل، فمن هو الرسول؟
أما الرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام، حملة الرسالة الإسلامية فهم أصفياء الله من خلقه، اختارهم ليكونوا دعاة وهداة وأعلاماً وأئمة وقدوات صالحات لسائر الخلق بلسان الحال ولسان المقال، وبالسيرة والسلوك، فكانوا كذلك ورفعوا رايات الإسلام ومناراته عبر التاريخ، وجعلوا حجة الله عالية وبالغة، وأموا خيار البشر وجعلوا منهم صفوة مختارة في الخير قادة، وعلى الفضائل أدلاء، وإلى المكارم هداة.
وكان آخر رسل الله إلى خلقه الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم الذي ختم الله به الرسالات، وآتاه المعجزة الخالدة الذكر الحكيم والقرآن العظيم، ووهبه من الحكمة في البيان ما جعله إمام العلماء والحكماء وهو أمي لم يقرأ من قبل كتاباً ولم يخطه بيمينه، فكان الرسول القائد والمربي العظيم والأب الرحيم والزوج الحكيم والناصح الأمين والمثل الأعلى في كل ما يهواه البشر ويتمونه.
ومن خلال تلك الفضائل والسمات، وبتوجيه الوحي وإرشاده، أحيا رسول الله الأمة بعد مماتها، وأنار لها طرق الحياة الفاضلة بعد تيهها وضياعها، وأرسى معالم العلم والقيم والحضارة والنهضة والعزة بعد أن غابت عن أعين الناس، إنه في سنوات معدودة استطاع بعون الله وفضله أن يغير معالم الحياة ويصنع للأمة وللإنسانية تاريخاً أبيض ناصعاً لم تشهده الحياة من قبل.
إن الرسول العظيم محمداً صلى الله عليه وسلم لم يكن مجرد عبقري فاق الناس بأفكاره، ولم يكن فيلسوفاً يشد الناس إليه بلغته وبيانه وعمق تحليله وسعة خياله، ولم يكن جباراً في الأرض يتبعه الناس خشية له ومهابة لمقامه، بل كان عليه الصلاة والسلام أقرب الناس إلى الناس، وأحب الناس إلى الناس، وأشفق الناس على الناس، وكان البر الرحيم بمن يدعوهم لدين الله، وكان أشجع الناس في ميادين الفداء والبذل والعطاء، وكان أكرم الناس وأنداهم يداً، وما خالف قط حاله مقاله، ولا تأخر يوماً عن فضل يدعو الناس إليه، ولم يعرفه أصحابه إلا في مقدمتهم وعلى أحسن ما يتخيلون في إمامهم وقدوتهم.
كل ذلك وأمثاله كان خلقاً عفوياً وسيرة وسلوكاً، لم يعرف التكلف ولا التزلف بل كان السماحة والحب وصدق السريرة والإخلاص في العبودية لله الخالق أولاً وآخراً، ومن هنا استحق هذا الإنسان الكامل أن يقول الله عنه: (وإنك لعلى خلق عظيم) وأن يقول الله للناس من حوله (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر).
أما الرسالة: فهي رسالة الإسلام الذي هو دين الله للبشرية كلها، به بعث الرسل والأنبياء يهدي الناس ويترفق بهم ويرفهم إلى مدارج الكمال البشري متدرجاً مترفقاً متطوراً مع حالات الإنسان من بداياتها إلى نهاياتها.
فالإسلام هو الذي بعث الله به آدم إلى ذريته، ونوحاً إلى قومه وأمته، وإبراهيم وموسى وعيسى وكل الرسل والأنبياء حتى خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم.
غير أن الرسالة الخاتمة كان لها خصائصها ومميزاتها وسماتها التي تتناسب مع الرسالة الخالدة، والتي تخاطب العالم كله على مختلف الأزمنة والأمكنة والبيئات واللغات، وعلى مر الأيام وتقدم المعارف والعلوم والأفكار، واتساع الآفاق وتباين الحضارات والتجارب البشرية.
فكانت تلك الرسالة الإسلامية الخالدة العظيمة تحمل في ثناياها كل مقومات الشهود الحضاري والرقي والكمال، وتتسع لاستيعاب الثقافات والأفكار والمقولات والفلسفات وتقومها وتقدمها للإنسان على أحسن حال ينهض به ويرفعه إلى مقامات الكمال البشري السوي المحبب والجميل. كل ذلك وفق براهين العقل ودلائل المنطق وميسور الفطرة الإنسانية البريئة.
 
مظاهر عظمة الإسلام
 
وإن مظاهر عظمة هذا الإسلام وبواعث الاعتزاز به لا تحصر ولا تنتهي، فهي متجذرة في أساس بنيانه، ومتفرعة ومتجددة ومتنامية على مر الأيام واتساع مسالك الحياة وشعابها.
وحتى لا يكون الكلام مرسلاً وخطابياً وعاطفياً أذكر بأهم المعالم التي تتجلى من خلالها عظمة هذا الدين، لتكون مصدر اعتزاز وافتخار لكل من ينتمي لهذا الدين ويحمل شعاره ويتفيؤ ظلاله.
1- فالإسلام عظيم لعظمة الله الذي بينه وأحكم بنيانه وشرعه.
2- وهو عظيم لعظمة الرسول الذي حمله وأداه على أحسن حال وأكمل بيان كما سبقت الإشارة لذلك.
3- والإسلام عظيم أيضاً لأنه دين الفطرة التي فطر الله الناس عليها، فهو منسجم مع النفس البشرية بمشاعرها وعواطفها وأحاسيسها ووجدانها وأفكارها وأشواقها، فالمسلم الحق والمؤمن الصادق سعيد كل السعادة ومطمئن لتقلبات الحياة وصروفها، راض بمجريات الأقدار، يفهم أسرارها ويستسلم لنتائجها، وبالتالي لم يعرف المسلمون الأمراض النفسية المختلفة التي تهدد مصير العالم اليوم إلا بمقدار بعد بعضهم عن فهم هذا الإسلام وضعف التزامهم بهديه وآدابه.
4- وهو عظيم لما يحمل من مناهج للإصلاح والتربية والمعرفة والعمران الحضري، مناهج جربت وطبقت في واقع الحياة، فأنتجت أفراداً صالحين ومجتمعات صالحة وأمة صالحة ودولة صالحة، وأمناً نفسياً ورخاء اقتصادياً وعدالة قضائية ونضجاً سياسياً. مناهج غيرت معالم التاريخ وقدمت للإنسانية كلها حضارة لم يشهدها الناس من قبل، يحس بها الجميع ويفخر بها الجميع وسعد بها الجميع، المسلمون وغيرهم على حد سواء، وتلك من مسلمات التاريخ وبدهياته.
5- ومن مظاهر عظمة هذا الإسلام ثباته ورسوخه وشموخه أمام التحديات، التحديات الفكرية والثقافية والفلسفية، والتحديات الاقتصادية والمادية، والتحديات السياسية والإعلامية، والتحديات العسكرية العالمية.
إن رسوخ الإسلام وشموخه أمام كل هذه التحديات من يوم جاء هذا الدين وإلى يوم الناس هذا لهو أكبر مظهر من مظاهر عظمة هذا الدين وأكبر باعث على الاعتزاز به.
فلا الكيد اليهودي ولا الحقد الصليبي ولا التآمر المجوسي ولا التتار ولا المغول ولا الحملات الصليبية ولا الخيانات الباطنية ولا السفاهات الفلسفية ولا الإغراءات بالمناصب والشهوات، لا هذا ولا غيره مما تصدى لهذا الدين استطاع أن يؤثر به أو يجعله يضعف أو يتراجع في أي شأن من شؤونه أو أي جانب من جوانبه.
ولئن ضعف سلطان الإسلام السياسي والعسكري حيناً من الدهر فلم يكن ذلك إلا وفق السنن الربانية في تداول الأيام بين الناس، ولم يكن ذلك منصباً إلا على المسلمين الذين يفرطون في حق هذا الدين، أما الإسلام بقيمه ومبادئه وأخلاقه وسماته فيبقى الأعلى والأكمل والأقوى مهما كان حال الأدعياء الذين لا تحابيهم سنن الله التي يقوم الكون على وفقها وفقهها.
ولو أن ما وجه لهذا الدين من كيد وتآمر ومكر، ولو أن ما رصد لحربه من ميزانيات وخطط، لو وجه بعض ذلك إلى الجبال الراسيات لدكها وأزالها، ولكن (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلى أن يتم نوره ولو كره الكافرون).
6- ومن مظاهر عظمة الإسلام انتشاره واتساعه حتى بين ظهراني أعدائه والمتربصين به، رغم ضعف وسائل الدعوة إليه، فها هي عواصم العالم الغربي تشهد المزيد من التحولات نحو الإسلام، ويوماً بعد يوم يزداد المعتنقون لهذا الدين في تلك العواصم التي لا تأل عن حرب هذا الإسلام بكل ما وصلت إليه من وسائل العلم والتقنية والقوة، وهذا واقع مشاهد لا يحتاج إلى تدليل وتوثيق.
7- ومن مظاهر عظمة هذا الدين عالميته وخلوده، فالإسلام رسالة الله إلى الناس كافة، مهما كانت أعراقهم أو لغاتهم أو ألوانهم، وهو خالد حتى قيام الساعة لا يقبل النسخ ولا الزيادة.
وسر العظمة في هذا الاتجاه تتجلى في أمرين هما:
الأول: أن معجزة هذا الدين الكبرى – القرآن الكريم – ما يزال يتحدى الناس أن يأتوا بمثله، أو أن ينقضوا معنى من معانيه، أو أن يوجدوا تناقضاً بين حقائقه الفكرية أو العقدية أو إشاراته العلمية والكونية.
فرغم تقدم العلوم والمعارف واتساعها، ورغم تفوق أعداء هذا الدين في ميادين العلم والمعرفة فما زال سلطان الإعجاز القرآني متحدياً وقاهراً للجميع.
قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً.
الثاني: إن هذا الإسلام مهما كان سلطانه غالباً وحجته بالغة فهو لا يكره الناس على الدخول فيه والانتماء إليه (لا إكراه في الدين).
بل إن عدل الإسلام وسماحته تشمل حتى الكافرين به والكائدين والمتآمرين عليه (ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى).
ولم ير غير المسلمين ممن عاشوا أعمارهم بين المسلمين، لم يروا إلا البر والإحسان والقسط والعدل في التعامل.
وتلك حقائق تاريخية ليست محل جدل وخلاف بين الناس، فالإسلام رحمة للعالمين، من آمن به ومن كفر به، وحتى شريعة الجهاد في الإسلام إنما هي لحماية الحق وكبح جماح الذين يريدون حجب عدالة الإسلام وسماحته عن المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً، وما كان الفتح الإسلامي إلا رحمة للعالمين، وما كانت نتائجه إلا محل ترحيب وإجلال وإكبار، حتى ممن غلبوا في ميادين القتال، اللهم إلا أئمة الكفر والطغاة الذين يريدون استعباد الناس وسلب حرياتهم وكرامتهم.
وبعد ...
فإنني أمسك بزمام القلم، وأكتفي بهذه الإشارات إلى دلائل ومظاهر عظمة هذا الإسلام، وما هي إلا ذكرى توقظ الغافلين وتذكر التائهين والهائمين على وجوههم ينشدون الهداية من غير مظانها وخاصة من شباب اليوم الذين أتت على بعضهم عاديات الضعف والتشكيك والتضليل فباتوا: كالعيس في البيداء يقتلها الظما والماء فوق ظهورها محمول.
فيا شباب الإسلام..
إن أردتم العزة والكرامة والحرية والعدالة والحياة الفاضلة الكريمة، فلن تجدوا ذلك إلا في رحاب الإيمان بالله تعالى، وفي حمى الإسلام وفي ظلال القرآن الكريم وهدي رسول الله الأمين محمد صلى الله عليه وسلم.
فإلى تلك الحياض الطاهرة، انهلوا منها وتعللوا،
وعودوا لدينكم يعد لكم الهنا            إن الهناء بدينكم متوفر
 
والحمد لله أولاً وآخراً، وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
 
 
د. موسى إبراهيم الإبراهيم
الإثنين 22/6/1425هـ
9/8/2004 م
 
 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين