عض الأصابع بين غزة وتل أبيب - غزة وتل أبيب

عض الأصابع بين غزة وتل أبيب


عبد الله نجيب سالم


عض الأصابع بين غزة وتل أبيب . يحكى أن رجلا مشهوراً من العرب لقي البطل المعروف ببأسه وشدته عنترة العبسي، فسأله عن سبب شجاعته وسرها فقال له عنترة : سأخبرك بالجواب عملياً . هات أصبعك يا أخي ، فأعطاه أصبعه ، فما كان من عنترة إلا أن عضها بقوة ، مما دفع الرجل إلى الصراخ والصياح من شدة الألم . مع سحب يده بسرعة من فم عنترة .
قال عنترة : خذ الآن أصبعي فعضها . فأخذ الرجل أصبع عنترة فعضها بقوة ، فلم يبال عنترة فزاد في ضغطه عليها بأسنانه ، ثم أخذ يهزها بعنف وعنترة ساكت ساكن . حتى صرخ الرجل من ألم أسنانه التي تطبق على أصبع عنتر الصابر. وأخيرا قال عنترة : كلانا تألم من العض ، ولكني هزمتك بجزعك وقلة صبرك .
لماذا نصرخ فوراً إذا آلمتنا إسرائيل مع أننا في حرب مع اليهود؟ ( إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون ) .
ولماذا نطالب الفلسطينيين دائماً بالتهدئة تجنباً للآلام ، مع أن التهدئة هي التي زادت من شراهة إسرائيل فلسطينياً وعربياً وعالمياً ، فحولتها إلى وحش مفترس للحقوق والحقول والحقيقة والحلال والحرام؟ ولماذا لا نسعى نحو تفعيل الخلايا النائمة في ذواتنا وبلادنا وعالمنا وما أكثرها .
إن إسرائيل دولة قوية وقوية جداً وقوتها ليس فيما تملكه من سلاح فتاك وأدوات تدمير تقليدية وغير تقليدية ... ولكن قوتها تكمن في الدول التي تقف معها أو وراءها أو أمامها لا فرق ... وقوتها تكمن في لجوئها للخيارات الصعبة والممنوعة والمحرمة دولياً وأخلاقياً وإنسانيا ... وقوتها تكمن في الوهم المخيف والصورة الزائفة التي رسمتها في أذهاننا وغرستها في ضميرنا والحقيقة هي أن إسرائيل في الوقت الحالي أشد ما تكون خوفاً ، وأكثر ما يمكن تصوره فزعاً ، وأعمق ما مرّ عليها في تاريخها قلقا وتوجسا .
إسرائيل لا تنظر إلى اليوم والغد ، بل تنظر إلى المستقبل وما يمكن أن يفاجئها به , وهي لا تخاف من الفلسطينيين المنقسمين ولكنها تعلم أنهم لن يبقوا منقسمين إلى الأبد ، ولن يتخلى عنهم العرب إلى الأبد ، ولن ينس المسلمون القدس وغزة وحيفا إلى الأبد ، ولن يبقى العالم حليف اليهود إلى الأبد . إسرائيل تراهن على ترويض الشعب الفلسطيني على قبول وجودها رغم أن وجودها يتعارض مع وجوده ، وعلى إقراره بقيامها رغم أنها قامت فوق أرضه ، وعلى استعداده للعمل في معاملها وحقولها ومنشآتها رغم أنها تمتص دمه وتلقي له بالفتات ، وعلى استبداله محبة العرب والمسلمين ودعمهم وعمقهم وتاريخهم ولغتهم بالصلح الأبدي معها، رغم أن إسرائيل تنادي بأنها دولة يهودية حتى النخاع، لا مكان فيها لغير اليهود على الإطلاق.
إسرائيل التي تراهن على هذا تفاجأ اليوم بالانقلاب الفلسطيني أولا والعربي ثانيا والإسلامي ثالثا على ذلك كله ، مع رسوخ قناعة فشل إمكانية الحل السلمي في المنطقة ، واشتداد ثقافة العنف والكراهية في شعوبها ، وانتشار موجة اليأس والغضب بين مسئوليها ، وعودة ما تسميه هي وأنصارها في الحل السلمي عودة التعصب الديني والصراع الحضاري والرفض الإقليمي، وإذا كانت إسرائيل اليوم صاحبة الصولة والجولة والصوت العالي والبطش المطلق ، فإن أمامها ألغاماً لم تنفجر ، ومفاجآت غير سارة ، ومستقبلا مجهول الاتجاه ... أمامها محيط بشري كاره ، وفي داخلها شعب ولود مقاوم ، والعالم من حولها سريع التطورات وكثير التقلبات ، فهل ينقلب السحر على الساحر، ويصبح جدار الفصل العنصري جدار الزنزانة الكبرى لليهود المعاصرين . من غزة بدأت نذر الخوف اليهودي ، وبمقذوفات القسام البسيطة انكشف الزيف والوهم ... واليوم يهرب رجال سدروت ونساؤها نحو الملاجئ والأقبية .. أفلا يحق لنا – مع شيء من الصبر – أن ننتظر اليوم الذي يهرب فيه يهود ايلات وتل أبيب وكريات شمونة نحو البلدان التي جاءوا منها ، والبيوت التي هجروها في أطراف العالم .

الشيخ / عبد الله نجيب سالم الباحث العلمي في الموسوعة الفقهية / 9591336

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين