عِصمَةُ الأنبياءِ واقتِضاؤُها السَّلامَةَ مِن كُلِّ قَادِح

قال شيخنا العلامة المحقق الشيخ محمد عوامة ـ حفظه الله ورعاه ـ في رسالته القيمة المحررة النافعة «‏حجية أفعال رسول صلى الله عليه وآله وسلم أصوليا وحديثيا وفيه عصمته صلى الله عليه وآله وسلم من الخطأِ والخطيئة»:

أ ـ يمكن القول: إن مفتاح هذا المبحثِ ـ وهو تمييز أفعالِ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالبحث عن أقواله الكريمة ـ هو أمر الله عز وجل لنبيه أن يقول ـ كما في أواخر سورة الإسراء ـ:﴿ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا﴾ [الإسراء: 93] ، وأمرُه الآخر ـ كما في آخر سورة الكهف ـ:﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ﴾ [الكهف: 110].

فبشرية النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليست بشرية خالصةً مثلَنا: عرضةً للسهو والنسيان، والخطأ والغفلة، والذنوب والمعاصي كبائرها وصغائرها، لا، إنما هي بشرية كاملة مكمَّلة بقوله تعالى: ﴿يُوحَى إِلَيَّ﴾.

ولما كان الصادر عن هذا النبيِّ البشرِ صلى الله عليه وآله وسلم أقوالًا وأفعالًا، وجاءت نصوص الكتاب والسنة دالةً على عصمته في أقواله، اتجهت دراسة الأئمة الأصوليين لأفعاله فرأوا فيها ما هو جِبِلِّي، وعاديّ، ودنيويّ...، فلهذا أفردوا أفعاله صلى الله عليه وآله وسلم بالبحث في كتبهم.

وهو صلى الله عليه وآله وسلم مصطَنع اصطناعًا خاصًا من الله تعالى، ليكون قدوة للعالمين إلى يوم الدين.

ومما هو متفق عليه: أن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم هو سيد الأنبياء والمرسلين، ومقاماتُهم عليهم الصلاة والسلام منطويةٌ في مقاماته، وقد قال تعالى عن سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام في سورة طه، الآية: 39، بعد ما أُلقي في اليمّ: ﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾ [طه: 39] ثم قال له بعدما نبّأه وأرسله وأمره بالذهاب إلى فرعون: ﴿وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي﴾ [طه: 41] فزاده الله رعاية وعناية، لما هو مقرَّر: أن زيادة المبنى تدلّ على زيادة المعنى، ففي مبنى الكلمة الثانية: ﴿وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي﴾ زيادة على مبنى الكلمة الأولى: ﴿وَلِتُصْنَعَ﴾.

فإذا كان هذا المقام لسيدنا موسى، فلا ريب أن مقام محمد صلى الله عليه وآله وسلم واصطناع الله له: أجلُّ وأعلى، ليتمم له مقام القدوة الكاملة للأمم جميعهم، في الأزمنة جميعها.

وهذه البشرية الكاملة بقوله تعالى ﴿يُوحَىٰٓ إِلَيَّ﴾: هي الحال الغالبة على حياة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم ، وهي حال (الكمال)، وحينما تظهر منه عوارض البشرية كالسهو والنسيان، فإن الوحي يسدِّد منه هذا العارض البشري ويكمِّله، فهي الحال (المكمِّلة)، فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم بين حالَيْ الكمال والتكميل، فهو: (الإنسان الكامل المكمَّل)، وهذه هي خلاصة أقوال الأصوليين في كل ما يصدر عنه: أنه مؤيَّد بالوحي ابتداءً، ومسدَّد بالوحي انتهاء، كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

أما ما يدل على عصمته في أقواله من القرآن الكريم: فهو قوله تعالى أول سورة النجم:﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلۡهَوَىٰٓ٣ إِنۡ هُوَ إِلَّا وَحۡيٞ يُوحَىٰ٤﴾[النجم:3-4] ، ويزيد الاستدلالَ بالآية قوة ووضوحًا وتأكيدًا: ملاحظةُ موقعها في السياق، وفي الزمن، وذلك أن الآيات تتحدث عن قصة الإسراء والمعراج، وما أطلعه الله عز وجل عليه مما كنَّى عنه بقوله:﴿ذُو مِرَّةٖ فَٱسۡتَوَىٰ٦ وَهُوَ بِٱلۡأُفُقِ ٱلۡأَعۡلَىٰ٧ ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ٨ فَكَانَ قَابَ قَوۡسَيۡنِ أَوۡ أَدۡنَىٰ٩ فَأَوۡحَىٰٓ إِلَىٰ عَبۡدِهِۦ مَآ أَوۡحَىٰ١٠ مَا كَذَبَ ٱلۡفُؤَادُ مَا رَأَىٰٓ١١ أَفَتُمَٰرُونَهُۥ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ١٢ وَلَقَدۡ رَءَاهُ نَزۡلَةً أُخۡرَىٰ١٣ عِندَ سِدۡرَةِ ٱلۡمُنتَهَىٰ١٤ عِندَهَا جَنَّةُ ٱلۡمَأۡوَىٰٓ١٥ إِذۡ يَغۡشَى ٱلسِّدۡرَةَ مَا يَغۡشَىٰ١٦ مَا زَاغَ ٱلۡبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ١٧ لَقَدۡ رَأَىٰ مِنۡ ءَايَٰتِ رَبِّهِ ٱلۡكُبۡرَىٰٓ١٨﴾[النجم:6-18] هذه الآيات تدل على أن الله عز وجل بقوله:﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلۡهَوَىٰٓ٣ إِنۡ هُوَ إِلَّا وَحۡيٞ يُوحَىٰ٤﴾ ﱠ يزكّي محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم ويصدِّقه فيما سيخبر به قومه عن عجائب هذه المعجزة العظمى، وإذا كان الأمر كذلك في هذا المقام فهو في غيره من بابِ أولى. ومع أن الآية صريحة في قصر نطقه صلى الله عليه وآله وسلم على أنه وحي يوحى، فقد قال الحافظ في «الفتح»، 9: 165، (5113): «إنه صلى الله عليه وآله وسلم لا ينطق عن الهوى، ولا يفعل بالهوى»، وهذا يمثِّل الوجهة الحديثية.

والدليل من السنة على عصمته في أقواله: ما رواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (26957) ـ وعنه أبو داود (٣٦٤١) ـ، وأحمد، 2: 192، (٦٨٠٢)، بإسناد صحيح إلى عبد الله بن عَمْرو رضي الله عنهما أنه قال: «كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أريد حفظه، فنهتْني قريش عن ذلك وقالوا: تكتب كل شيء تسمعه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشر يتكلم في الرضا والغضب! قال: فأمسكت عن الكتاب، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فأشار بيده إلى فِيه فقال: اكتب، فوالذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حقّ».

ب ـ وإن إثبات العصمة للأنبياء عليهم الصلاة والسلام: ركن ركين في العقيدة، ذلك أن الله تعالى أقامهم مُقام القدوة، واقتضت حكمته أن يكونوا من البشر لا من الملائكة، ليتم قيام الحجة لله على عباده، إذْ لو كانوا ملائكة لتعلَّل العباد المعانِدون بذلك.

ولا يصح إيمان إلا باعتقاد ذلك فيهم تمام الاعتقاد والتسليم، ومن لم يُرَسِّخ ذلك في قلبه وفكره فلن يجد في قلبه استسلامًا لكلام الله عز وجل، فضلًا عن أن يستسلم لكلام نبيّ، أو صحابي، أو تابعي، أو عالم من علماء المسلمين، فكل هذه المسلَّمات: مبنية على القول بعصمة الأنبياء عامة، وعصمة نبينا خاصة، صلى الله عليه وآله وسلم ، ونظرًا لِما أنا بسبيله ـ من التزام الإيجاز ـ فإني أقول:

جـ‏ ـ عرَّف البَنَّاني المالكي العصمة في حاشيته على «جمع الجوامع»، 2: 95، بقوله هي: «عدم خلق الذنب في العبد، كما هو عند أهل السنة، ومن هذا قال أبو منصور الماتريدي: العصمة لا تزيل المحنة». أي: لا ترفع التكاليف عن الأنبياء عليهم السلام.

د ـ والعصمة تقتضي السلامةَ من كل خارم لها، أي: العصمةَ من المعاصي والسيئات، ومن الخطايا والزلات(1)، وتقتضي السداد في الأمور كلها، حتى السلامةَ من السهو والنسيان، ومن الخطأ في الاجتهاد.

ولكن ما هو موقف العلماء الأصوليين من هذا الاقتضاءِ:

اقتضاءِ السلامة من كل خارم للعصمة، واقتضاءِ السداد في الأمور كلها؟

أقول في الجواب عن الاقتضاء الأول:

1 ـ إن للأصوليين ـ وللكلاميين منهم خاصة ـ بحوثًا طويلة حول وقوع خوارم العصمة، أي: الذنوب: الكبائر والصغائر من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، عمدًا وسهوًا، قبل النبوة وبعدها، وهل ثبوت هذه العصمة لهم عقلًا أو سمعًا؟ ويحكون في ذلك أقوالًا مستنكرة لبعض مَنِ انقرض من الفِرَق الضالة!! ويطوِّلون في ذلك، حتى إن الإمام الفخر الرازي رحمه الله ـ وهو كلامي أصولي ـ أفرد كتابًا خاصًا سماه: «عصمة الأنبياء»، وهو مطبوع، وافترضوا ـ كعادتهم في المطوَّلات ـ فَرْضيات لا حاجة إليها الآن لا في المختصرات ولا في المطوَّلات.

وأنقل نصًا بطوله من كلام العلامة الشيخ محمد بَخيت المطيعي رحمه الله في حاشيته على «نهاية السول» للإسنوي، 3: 8، وأصلُه للمحلِّيِّ على «جمع الجوامع»، 2: 95، بحاشية البَنَّاني، وغيرِه، وقد أبدى الشيخ تَشكّيه، من هذه الأقوال التي حكاها الإسنوي، فماذا يقول فيما حكاه الرازي؟!

قال رحمه الله: «والحقُّ في هذا ما قاله صاحب «جمع الجوامع» والجلال ـ المحلّي ـ عليه، من أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون لا يصدر عنهم ذنب أصلًا، لا كبيرةٌ ولا صغيرةٌ، لا عمدًا ولا سهوًا، وفاقًا للأستاذ أبي إسحاق الإسفَراييني، وأبي الفتح الشَّهْرستاني، والقاضي عياض، والشيخ الإمام والد صاحب «جمع الجوامع»، لكرامتهم على الله تعالى عن أن يصدر منهم ذنب. والمراد ـ كما قال العطار ـ: أنه لا يصدر منهم ذنب ولو قبل النبوة، وتسميته حينئذ ذنبًا: مجاز، إذ لا حكم قبل الشرع، ولا يُشكل عليه ما وقع له صلى الله صلى الله عليه وآله وسلم من نحو تسليمه سهوًا من ركعتين من الرباعية، فإن التسليم منها عمدًا حرام، وقد وقع منه سهوًا، فقد أجيب عنه: بأن محل الكلام حيثُ لا يترتب على الوقوع سهوًا تشريع، أما ما يترتب عليه ذلك فيجوز، وقريبٌ منه: أن المعصوم منه: السهوُ الشيطانيُّ لا الرحماني، كذا يؤخذ منهما ـ أي: السبكي والمحلّي ـ ومن العطار.

«ومن هذا تعلم ما في هذه الأقوال التي حكاها الإسنوي. نعم، كلٌّ من الحنفية والشافعية جوّزوا وقوع الزّلَّة في الكبائر والصغائر بعد النبوة وقبلها. والزّلة: هي أن يَقصد فعلَ المباح فيلزمَ أمر يكون معصيةً لو صدر عمدًا، كوَكْز موسى الرجلَ القِبطيَّ حين أخذ إسرائيليًا ليحمل عليه الحطب إلى مطبخ فرعون، وكان يتأبَّى عليه، فاختصما، فاستغاث الإسرائيليُّ بموسى، فنهى القِبطيَّ عما كان عليه، فلم ينتهِ، فوكز موسى القِبطيَّ لا يريد قتله لكنه مات، فلزم من ذلك القتلُ، وهو معصية لو كان عمدًا، وحيثُ لم يكن عمدًا، فليس معصية لا كبيرة ولا صغيرة، بل نُقل أن القبطيَّ قال لموسى: لقد هممتُ أن أحمل عليك، فوكزه موسى عليه السلام، وعلى كل حال، فقالوا: إن الزلة تقترن بالتنبُّه من الفاعل، أو من الله تعالى بوحي، لئلا يقتدى فيها الرسول»(2).

«وعلى هذا: كما جاز عليهم الزلة يجوز عليهم الخطأ والسهو، لأنه لا يكون معصية أصلًا، لا حال الخطأ ولا حال السهو، بل هو معصية إذا لم يكن خطأ أو سهوًا، وعلى هذا: فلا حاجة لما نقلناه عن العطار، بل يكفي أن يقال: إنهم معصومون لا يصدر منهم ذنب أصلًا ولا صغيرةٌ ولا كبيرة، قبل النبوة وبعدها، ولا حاجة إلى قولهم: لا عمدًا ولا سهوًا، لأنه لا يتصور شرعًا أن تكون المعصية سهوًا، والمراد بالسهو ما يشمل الخطأ».

انتهى كلام الشيخ بخيت، وفي هذا النص فوائد عدّة، لكن لم يذكر هو ولا غيره ما يسمونه: (زلة) في حق نبينا عليه الصلاة والسلام، فهذا لم يوجد.

وفي «البحر المحيط» للزركشي، 4: 171، حكاية هذا (الاختيار) عن عدد آخر من العلماء، قال رحمه الله بعد حكاية تلك الأقوال: «والمختار: امتناع ذلك عليهم، وأنهم معصومون من الصغائر والكبائر جميعًا، وعليه الأستاذ أبو إسحاق الإسفَراييني، وأبو بكر بن مجاهد، وابن فُورَك، كما نقله عنهما ابن حزم في كتابه «الملل والنحل»(3)، وقال: إنه الذي نَدِين الله به، واختاره ابن بَرْهان في «الأوسط»، ونقله في «الوجيز» عن اتفاق المحققين، وحكاه النووي في «زوائد الروضة» عن المحققين، وقال القاضي حسين في أول الشهادات من «تعليقه»: إنه الصحيح من مذهب أصحابنا، وإن ورد فيه شيء من الخبر حُمِل على ترك الأولى، وقال القاضي عياض: يُحمل على ما قبل النبوة، أو: فعلوه بتأويل، وهو قول أبي الفتح الشَّهْرَستاني، والقاضي عياض، والقاضي أبي محمد ابن عطية المفسِّر فقال عند قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ﴾ [البقرة: 128] ـ 1: 352، عند تفسير الآية: 128، من سورة البقرة ـ: الذي أقول به: إنهم معصومون من الجميع، وإن قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : «إني لأتوب إلى الله في اليوم وأستغفره سبعين مرة». إنما هو رجوعه من حالة إلى أرفع منها المزيد علومه واطلاعه على أمر الله، فهو يتوب من المنزلة الأولى إلى الأخرى، والتوبة هنا لغوية». انتهى كلام الزركشي وابن عطية.

والتوبة اللغوية: فسَّرها العطار في «حاشيته»، 2: 128، فقال: «هي مجرد الرجوع، لرجوعه صلى الله عليه وآله وسلم من كامل إلى أكمل، بسبب تزايد فواضله وفضائله(4)، واطلاعه على ما لم يكن اطّلع عليه قبلُ».

وقال التاج السبكي في «الإبهاج»، 5: 1752: «والذي نختاره نحن وندين الله تعالى به: أنه لا يصدر عنهم ذنب لا صغير ولا كبير، لا عمدًا ولا سهوًا، وأن الله تعالى نزّه ذواتهم الشريفة عن صدور النقائص، وهذا هو اعتقاد والدي أحسن الله إليه». إلى آخر كلامه، وفيه حكاية هذا الاختيار عن بعض من تقدم.

وقال الشهاب الكوراني في «الدرر اللوامع»، 3: 10: «هو الذي عليه نحيا وعليه نموت إن شاء الله تعالى».

وأقدمُ من رأيته نصّ على عصمة نبينا عليه الصلاة والسلام من الذنوب كبيرها وصغيرها: الإمامُ أبو حنيفة رحمه الله تعالى، فقد قال في «الفقه الأكبر»، ص: 181، من شرح علي القاري عليه: «ولم يرتكب صغيرة ولا كبيرة قط».

كما نقل العلاء البخاري في «شرحه على أصول البزدوي»، 3: 200، عن الإمام أبي الحسن الأشعري قوله: «ليس معنى الزلة أنهم زالوا عن الحق إلى الباطل، وعن الطاعة إلى المعصية، ولكن معناها: الزلل عن الأفضل إلى الفاضل، والأصوب إلى الصواب، وكانوا يعاتَبون بجلال قدرهم ومنزلتهم ومكانتهم من الله تعالى».

ومثله في شرح البابرتي على البزدوي، 5: 237، بل زاد ما هو أجمل من هذا، قال: «إن ذكر العصيان لم يكن مقصودًا بالذكر، بل لإظهار الاجتباء بعد ذلك، كما قال الله تعالى:﴿ثُمَّ اجْتَبَاهُ﴾ [طه: 122] ، لنعلم أن معاملة الله مع الأنبياء على خلاف معاملته سائر العباد».

ولا حاجة بعد ذلك إلى حكاية تلك الأقوال ومناقشتها وردّها.

انتهى كلام شيخنا حفظه الله تعالى ورعاه، ص: 11ـ20.

وسنكمل في المقالات القادمة ـ إن شاء الله ـ الكلامَ عن الاقتضاء الثاني: «خوارم السداد في الأمور كلها، كـ: السهو، والنسيان».

(1) مما يحسن التنبيه إليه هنا: أن العصمة عصمتان: واجبة، وجائزة.

فالواجبة: هي التي أتحدث عنها، وهي للأنبياء والمرسلين والملائكة عليهم الصلاة والسلام.

والجائزة: هي الممكنة لكل عبد ما دام على احتمال الوقوع في الخطأ والخطيئة، فلو قُدِّر أن الله تعالى تكرم على عبد بالسداد والطاعة في أحواله كلها، في حياته كلها: لقلنا عنه إنه معصوم عصمة جائزة ما دام على احتمال الخطأ والخطيئة، وهذه هي العصمة التي نرى في كلام كثير من العلماء طلبَها من الله عز وجل، من أقدمهم، أو أقدمهم الإمام الشافعي في «الرسالة»، ص: 103، (307)، وهذا هو معنى قول الحافظ في «الفتح»، 9: 229، (٥١٦٥): «اختصاص مَن خُصَّ بالعصمة: بطريق الوجوب، لا بطريق الجواز، فلا مانع أن يوجد من لا يصدر منه معصية عمدًا، وإن لم يكن ذلك واجبًا له».

والعصمة: تستلزم عاصمًا للمعصوم، فالأنبياء معصومون، والذي عصمهم هو الله جل جلاله.

فمن الخطأ الكبير الفاحش ما يجري على أقلام كثير من المعاصرين، ومنهم بعض أدعياء الاجتهاد: والعصمة لله وحده! أو: العصمة لله ولأنبيائه!! فهذا تنبيه آخر دعت إليه المناسبة.

(2) مثال اقتران التنبُّه من الفاعل: هو هذه القصة، وفيها: ﴿قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ﴾ [القصص: 15]، أما مثال تنبيه الله عز وجل إلى أنها زلة لئلا يُقتدى فيها بالرسول: فهو قصة سيدنا آدم المذكورة قبل، وفيها قوله تعالى: ﴿وَعَصَىٰٓ ءَادَمُ رَبَّهُۥ فَغَوَىٰ١٢١ ثُمَّ ٱجۡتَبَٰهُ رَبُّهُۥ فَتَابَ عَلَيۡهِ وَهَدَىٰ١٢٢﴾.

(3) لكن لفظ ابن حزم في «الفصل»، 4: 45ـ6: «ذهبت طائفة إلى أن الرسل عليهم الصلاة والسلام لا يجوز عليهم كبيرة من الكبائر أصلًا، وجوَّزوا عليهم الصغائر، وهو قول ابن فورك الأشعري، وذهب جميع أهل الإسلام من أهل السنة والمعتزلة والنجارية والخوارج والشيعة إلى أنه لا يجوز البتة أن يقع من نبي أصلًا معصية بعمدٍ، لا صغيرةٌ ولا كبيرة، وهو قول ابن مجاهد الأشعري شيخ ابن فُوْرَك والباقلاني المذكورين، قال أبو محمد ـ هو ابن حزم نفسه ـ: وهذا قولنا الذي ندين الله تعالى به، ولا يحل لأحد أن يَدين بسواه، ونقول: إنه يقع من الأنبياء السهو عن غير قصد، ويقع منهم أيضاً قصد الشيء يريدون به وجه الله تعالى والتقرب به منه، فيوافق خلاف مراد الله تعالى [أي: خلاف مراد الله تعالى التكليفي]، إلا أنه تعالى لا يُقِرُّ على شيء من هذين الوجهين أصلاً، بل ينبههم على ذلك ولا بدّ إثر وقوعه منهم».

(4) في «القاموس»: الفواضل جمع فاضلة، وهي الأيادي الجسيمة أو الجميلة.

والفضائل جمع فضيلة، وهي الدرجة الرفيعة في الفضل، أو: الفاضلة هي: التي يظهر أثرها في صاحبها فقط، كالتقوى والعلم، والفضيلة هي: التي يظهر أثرها في صاحبها فقط، كالتقوى والعلم، فهو صلى الله عليه وآله وسلم جامع لخصال الكمال الذاتيةِ الكمالِ، والمتعديةِ لغيره.

جميع المواد المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين