عشت مع آية: (إني آمنت بربكم فاسمعون)

{إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25)} يس، عشت بكل جوارحي مع ذلك الرجل المؤمن وهو يسعى من أقصى المدينة ينصر الحق وحده..

وعشت معه وهو يدافع الحراس حتى يمنع الملك عن الرسل وحده، وعشت معه وهو يتلقى غضب الملك مدافعا عن الرسل وحده، ثم عشت معه وهو يتلقى جزاء الغيرة على الدين وحده..

 

تخيلتهم وهم يمسكون به وهو الرجل الأوحد وهم يقولون له: "وأنت تخالف ديننا... ثم يثبون عليه وثبة رجل واحد فيقتلونه. قال ابن مسعود: وطئوه بأرجلهم حتى خرجت أمعاؤه من دبره!.

تخيلت حاشية الملك وهي تضحك عليه مضروبا، وتشمئز من منظر جسمه المتهتك وأمعائه الخارجة من دبره ميتا!.

 

تخيلته وحيدا إلا من اعتزازه بدينه، وربط مصيره بمصيره. عشت معه وهو الوحيد المؤمن في قريته، المدافع عن قضيته.. فعلمت أن الله لا يخلد ذكر الخاملين، إنما يخلد ذكر المتفردين المتفانين من أجل الدين!

 

فعل ما فعله وهو لا يعلم ما سيفعله الله من أجله، وما أعده له في جنته، فكيف لو كان يعلم؟!

ثم تخيلت هؤلاء الضاحكين من أهل القرية على أمعائه المتدلية، وهؤلاء المتحمسين لضربه حتى الموت من جند الملك وهم يفرحون قليلا، ثم يهلكون قريبا.. فقد جاءهم الهلاك أسرع ما يكون! وما ضر مؤمن آل ياسين أن يضحك الناس عليه ميتا ثم يضحك هو في الجنة بعد قليل حيا!.

 

ثم عشت معه في الجنة صارخا فينا موصلا صوته، موغلا في أسماعنا عبر آلاف السنين: { قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ ۖ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27)} يس. كأنه يصرخ في الأمم اللاهية والدعاة الخاملين، فكلاهما يستحق الصراخ!. العاصي اللاهي، والداعية الخامل رغم ما يرى من بعد قومه عن الله.

 

وكأن الله سبحانه يوصل صوته عبر الآية إلى يوم القيامة لمن يريد أن يسمعه، كأن الآيتين مكبر صوت يمسكه مؤمن آل ياسين يصرخ فينا من خلاله قائلا: انصروا دين الله وإن وطئتكم الأقدام، وتمزقتم أشلاء، وخرجت الأمعاء من الدبر. فمشهد الموت المروع اليوم يعقبه مشهد الحياة الآخرة الرائع.

 

ثم يصرخ في أولئكم المجرمين المبتسمين لفعال كل ظالم الساخرين من كل مؤمن، الساكتين على ظلم كل مظلوم. يا ليتكم تعلمون أن ضحكات الدنيا قصيرة، ومتعها حقيرة، وزوالها عاجل أمام ما عاينته من النعيم الخالد!

 

إيه يا مؤمن آل ياسين! كم أقمت من حجة، وأسمعت من أصم. حتى قال عنك ابن عباس: نصح لله حيا وميتا!

لا يزال القرآن يفيض علينا من فيوضاته ولو قرأنا آياته ألف مرة، فالقرآن ذاخر بعطاءاته. سيما لو ربطنا أحداث اليوم بأخواتها من أوجاع الأمس. فالأحداث مكرورة وإن اختلفت الأسماء.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين