عشت مع آية: (أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت)

قرأت قول الله عز وجل: {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ}، فارتعد كل عضو فيَّ..

قائم على كل نفس... لا تشغله نفس عن نفس في القيام بأمر معاشها، ولا مراقبتها في أمر معادها! كأنك تعيش على هذه الدنيا وحدك تحت سمع الله وبصره.. كلامك يسمع منك وحدك، نظراتك تراقب منك وحدك..

حبك، كرهك..

صدقك، كذبك..

مروءتك، خيانتك..

أنت عند الله تعامل وحدك مهما تَصَاخَب الكون، وكثرت الخلائق! واخجلتاه منك يا رب!

"على كل نفس" غدراتها، وفجراتها، وسوء صنيعها عند خلوها بنفسها.. مُطمْئِنة هذه الآية ومرعبة في آن!

مُطَمئِنة لأن الله لن ينساني في طعام أو شراب أو كساء..

ومرعبة أنني مراقب من الله من يقظتي إلى نومتي، وما أكثر ما يراني سبحانه بينهما على حال أستحي فيها من صديقي، فكيف بخالقي سبحانه؟!

 سمعوا الفضيل بن عياض رضي الله عنه وهو يقول بعرفة عند غروب الشمس:

"واسوأتاه منك وإن عفوت"، أي: حتى وإن سامحتني فإن تصوري لنفسي حال عصياني لك وأنت تراني، يزيدني خجلا منك، حتى وإن عفوت عني. شعور لا يعرفه إلا من يعيشه ويتخيله!

والأسود بن يزيد لما احتضر بكى فقِيلَ لَهُ: ما هذا الجزع؟ قال: "ما لي لا أجزع، ومن أحق بذلك مني؟! والله لو أُتيت بالمغفرة من الله عز وجل لهمني الحياء منه مما قد صنعت!

إن الرجل ليكون بينه وبين الرجل الذنب الصغير فيعفو عنه فلا يزال مستحيًا منه".

 

كم يهذب القرآن من نفوس، ويقشعر من أبدان؟!

"أفمن هو قائم على كل نفس"

إن أحدنا ليرتعد خجلا من ولده عندما يكون ممسكا بهاتفه ناظرا إلى ما لا يرضي خالقه مخافة أن يسقط من عين ولده، بينما يسقط من عين الله كل يوم ألف مرة دون أن ينزعج عشر انزعاجه أو ارتعاده لولده أو صديقه!!

سئل الجنيد رحمه الله: بم يستعان على غض البصر؟ قال: بعلمك أن نظر الله إليك أسبق من نظرك إلى ما تنظره.

كم في القرآن من زواجر، لو وقف عندها كل بر وفاجر.

 

"على كل نفس"

كلما استشعرتها النفس ذابت خجلا!

واسوأتاه منك يا رب وإن عفوت.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين