عدالة عمر بن الخطاب وفيروز الديلمي

رجال ومواقف:

عدالة عمر بن الخطاب وفيروز الديلمي

 

حيدر الغدير

 

(1)

فيروز الديلمي – رجل

فيروز: إن الرحلة من اليمن إلى المدينة المنورة طويلة متعِبة.

الرجل: صدقت يا فيروز.. لكنها في سبيل الله تهون.

فيروز: في سبيل الله تهون.. ويهون ما هو أشد منها وأعظم.

الرجل: الحمد لله الذي هدانا لسبيله القويم، وجعلنا ممن يبتغون رضاه.

فيروز: الحمد لله. "صمت" لقد كان مقامنا باليمن طيباً، لكن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب كتب يطلب قدومنا إليه.

الرجل: عجيبٌ والله هذا الرجل، كأنه لا تفوته شاردة ولا واردة من شؤون المسلمين.

فيروز: إي والله عجيبٌ جدُّ عجيب. وإلّا فما أدراه بحالي في اليمن!؟ أتدري ماذا كتب لي!؟

الرجل: ماذا كتب؟

فيروز: كتب يقول لي: أما بعد، فقد بلغني أنه شَغَلَكَ أكل اللباب بالعسل، فإذا أتاك كتابي هذا فاقدم على بركة الله فاغزُ في سبيل الله.

فيروز والرجل: يضحكان معاً.

الرجل: خليفةٌ عظيمٌ والله.

فيروز: ندَرَ في الرجال مثلك يا عمر.

الرجل: أن يكتب إليك يا فيروز يدعوك للغزو في سبيل الله فهو أمر طيب، وفي غاية النباهة!.

فيروز: "يضحك" لكنه ليس في الحساب أن يكتب لي عن أكلي العسل كأني فعلتُ ما يسوء.

الرجل: وحسابه هذا مصداق على يقظته وحرصه ومعرفته بأمور الرعية، وإنه لطيبٌ هو الآخر.

فيروز: إي والله طيبٌ جدُّ طيب، أكرم بعمر بن الخطاب أميراً للمؤمنين لا تفوته من أحوالهم فائتة.

الرجل: وهو على شِدَّته أحنى عليهم من الأم والأب.

فيروز: لا بد أن أمير المؤمنين فكَّر في أمري كثيراً، وهو يعرف أني ديلمي في الأصل، فقال لنفسه: هذا رجل ديلمي، عاش في النعيم والجاه، وهو برغم إسلامه يحبُّ حياة الدعة والترف.. وبلغه أكلي اللباب بالعسل "يضحك" فكتب إليَّ يدعوني للغزو في سبيل الله.

الرجل: إنما أراد لك الخير يا فيروز.

فيروز: صدقت والله.. أراد لي من ناحية أن أنجو من حياة القعود والترف، وأراد لي من ناحية ثانية ثواب المجاهدين. بورك فيك يا ابن الخطاب وجزاك عنا خير الجزاء.

الرجل: إنه لَيعرِفُ أقدار الرجال، ولا يغيب عنه أنك قتلت الأسود العنسي الكذاب.

فيروز: إنما كان قتلي للأسود العنسي ابتغاء ثواب الله عز وجل.

الرجل: بارك الله فيك وتقبل منك. إن خبراً كهذا لا ينساه عمر.

فيروز: "في لهجة متسائلة منكِرة" ينساه عمر!؟ الأقل من هذا بكثير لا ينساه.. رجلٌ عظيمٌ حقاً، وأميرٌ للمؤمنين دؤوبٌ على مصالحهم.

الرجل: كالنحلة التي لا تعرف الكسل.

فيروز: "ضاحكاً" ويحك يا رجل، أتريد أن تعود إلى حديث النحل والعسل الذي كنت آكله باللباب في اليمن؟ "يضحكان" ترى متى نصل إلى المدينة؟

الرجل: غداً نكون في المدينة إن شاء الله ونقابل عمر.

فيروز: إن شاء الله.

 

(2)

فيروز – فتى من قريش – خادم لعمر

فيروز: هل أذِنَ لي أمير المؤمنين؟

الخادم: أجل يا فيروز.. هيا ادخل. "صوت حركة"

الفتى: "غاضباً" ألا أدخل أنا؟

الخادم: بل انتظر قليلاً.

الفتى: لأدخلن، وقبل فيروز أيضاً. "حركة وجلبة، ثم الفتى يتحدث غاضباً".. ابتعد يا فيروز فإني داخل قبلك.

فيروز: "غاضباً" بل أنا أولاً.

الفتى: بل أنا.. "حركة وهياج ومدافعة"

فيروز: أتزاحِمني أيها الفتى وقد أذِنَ لي الخليفة قبلك؟

الفتى: "غاضباً" أزاحمك!.. أجل.. أزاحمك فافعل ما تريد.

فيروز: إذن فخُذْ. "صوت لطمة شديدة"

       "جلبة وضوضاء وحديث متداخل": لطمة شديدة.. لِمَ فعلتَ ذلك يا فيروز؟.. ما كان لهذا الفتى أن يزاحمه.. لقد أدمتِ الضربة أنف الفتى.

الفتى: "بصوتٍ عال" يا أمير المؤمنين.. فيروز الديلمي اعتدى عليَّ وأنا ببابك.

الخادم: تعال فادخلْ.. فاعرض على أمير المؤمنين شكواك. وأنت يا فيروز انتظر ولا تنصرف، وأنتم انصرفوا يرحمكم الله.

 

(3)

رجلان يتحدثان

الأول: أسمعت بخبر فيروز؟

الثاني: أجل سمعت، فما الذي فعله الخليفة عمر؟

الأول: سأل فيروز قائلاً له: ما هذا يا فيروز؟

الثاني: وبِمَ أجاب فيروز؟

الأول: كانت إجابته لبِقةً ذكية، لكنها لم تُخلِّصهُ من العقاب. لقد قال لعمر: إنك كتبت إليَّ ولم تكتب إليه، وأذنتَ لي بالدخول ولَمْ تأذن له، وأراد أن يدخل في إذني قبلي، فكان مني ما قد أخبرك.

الثاني: وبِمَ أجاب عمر؟

الأول: قال له: القصاص. قال فيروز: لا بد!؟ قال عمر: لا بد.

الثاني: وبعد ماذا حدث؟

الأول: جثا فيروز على ركبتيه، وقام الفتى ليقتصَّ منه، فقال له عمر: على رِسْلك أيها الفتى حتى أخبِرَك بشيء سمعتُهُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم "الثاني يكرر الصلاة"، سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم "الثاني يكرر الصلاة" ذاتَ غداةٍ وهو يقول: (قُتِلَ الأسودُ العنسيُّ الكذاب، قتلهُ العبد الصالح فيروز الدَّيلَمِي) أفَتَراكَ مُقتَصّاً منه بعدَ أن سمعتَ هذا؟

الثاني: فما فعل الفتى بعد ذاك؟

الأول: لقد قال لعمر: يا أمير المؤمنين قد عفوتُ عنه بعد أن أخبرتَني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا. "الثاني يكرر الصلاة"

الثاني: "متحمساً" بارك الله في هذا الفتى. "في لهجة سائلة" وفيروز ماذا كان منه؟

الأول: قال فيروز لعمر: إنْ كان عفوُه عفوَ امرئٍ غيرِ مُستكرَه أهو مُخرِجي من الإثم يا أمير المؤمنين؟ قال له عمر: نعم يا فيروز.

الثاني: "في لهجة سائلة" وبعد؟

الأول: قال فيروز: فأشهِدُكَ يا أمير المؤمنين أن سيفي وفرسي وثلاثين ألفاً من مالي هبة لهذا الفتى الكريم.

*****

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين