عبيد القصور

قصة "عبيد البيت وعبيد الحقل" مثَّلت حالةً اجتماعيةً بائسةً في أمريكا في حقبةٍ ليست ببعيدة، حاول عديدٌ من الكُتاب اقتباسها وتوظيفها في نقد الواقع وتقويمه، والإفادة منها في دروسٍ وعبرَ تحرِّض المجتمع على قيم إنسانية مشتركة عند أسوياء البشر.

ملخَّص الحكاية: أنَّ الزنوج كانوا بعامتهم عبيدًا وخدمًا عند البيض، غير أنَّ ثمَّة فارقًا في الرتبة، فمن كان عبدًا يقيم في زاوية البيت مع سيده يجد أنه في نعمةٍ من العيش الكريم، لأنَّ مستوى طعامه ولباسه وخدمته أحسن حالا من عبيد الحقل أولئك المُمتَهنون الأذلاء الذين يُقاسون من القهر وسوء معاملة الأسياد .

المثير في الحكاية هو أنَّ السيد الأبيض استطاع أن يكسب ولاء عبيد البيت ليكونوا أخلص له من أبنائه وذويه فيدافعون عن مصالحه ولو ببذل أرواحهم.

لقد اقتنعوا أنَّ مصالحهم ومصيرهم مرتبط ببقاء السيد ومصالحه، ويكفيهم أنهم يأكلون ويشربون ويتنفسون الهواء بعيدًا عن لهيب السياط على الظهور الذي يتعرض له الفريق الآخر منهم.

أما الجزء الأكثر إثارةً في تلك الحالة فهو أنَّ السيد الأبيض استطاع أن يُخضِع عبيدَ الحقل بواسطة إخوانهم عبيد البيت، فهم الذين يتولون قمعهم والبطش بهم وإعادتهم إلى الحظيرة كلما فكر طائفة منهم بالشغب والتمرُّد على السيد، مع أنَّ مطالبهم لم تكن ترقى إلى التحرر من العبودية بل لأجل تحسين شروطها فحسب! 

إنها سياسةُ قمعِ العبيد بالعبيد. 

نعم.. هذه الحكاية التي يبدو أنها تتكرر في كل زمان ومكان، وتصلح لاستدعائها في نظائرها من الظروف والمضامين وإن اختلفت الأسماء والصور، لا سيما عندما تتحول جموع الشعوب إلى قطعان من العبيد.

إنَّ طبيعة النفس البشرية حينما تنحدر إلى دركاتٍ من الذل والهوان سوف تستكين لإرادة الشر وتُذعن لها، بل تستمرئ العبودية للبشر إلى حدِّ تفاخر بعض العبيد على بعضٍ بأنهم أرقى في درجة عبوديتهم منهم.

الحقيقة التي لا مراء فيها أنَّ من تشرَّبت نفسه هوانَ الاستعباد كره التحرر، وقد صدق بعضهم عندما قال: لو أمطرت السماءُ حريةً لرأيت من العبيد من يحمل المظلات.

إذا كان يجوز لهذه الحالة العجيبة أن تقع في المجتمعات الجاهلية التي ما عرفت ربها ولا ذاقت يومًا طعم عبوديته، فكيف يجوز لها أن تقع في المجتمعات المسلمة التي تؤمن بالله واليوم الآخر؟!

وإذا كان أحمقًا من باع آخرته بدنياه، فالأشد منه حُمقًا من باع آخرته بدنيا غيره.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين