عبث بصلاة التراويح

صلاة التراويح سنة مؤكدة في رمضان فقط، وسميت كذلك لأن الصحابة والتابعين ومن بعدهم كانوا يستريحون بعد كل أربع ركعات للتسبيح والتهليل والتحميد وغيرها من قضاء الحاجات كشرب الماء وتجديد الوضوء وغيرها، وقيل:

لأن الناس كانوا يتوكؤون على العصي ويستندون إليها من طول القيام في تلك الصلاة.

وقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم على فضل هذه الصلاة بقوله:( من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر).

وقد كان السلف الصالح ومن بعدهم إلى قرون عديدة يصلونها عشرين ركعة في كل ليلة، وزاد المالكية على ذلك بأن صلوها ستا وثلاثين ركعة في الليلة، واستحب جميع الفقهاء المعتبرين في الأمة الإسلامية أن يختم القران في هذه الصلاة خلال شهر رمضان.

ثم توالى الضعف في الأمة إلى درجة الاستهانة بهذه الصلاة على صور متعددة، فإما أن يكون هذا التهاون من الناس المصلين، وإما أن يكون من أئمة المساجد أنفسهم فقد صارت تظهر صور من هذه الصلوات لم تكن في أزمان السلف الصالح ولا حتى في القرون المتأخرة، فمن ذلك:

1- أنها تؤدى في بعض المساجد تحقيقا لرغبات المصلين، ففي بعض المساجد يتزاحم الناس عليها لأنها تصلى بطريقة سريعة جدا لا تشغل الناس عن أعمالهم الدنيوية، ويظن الناس أنهم حققوا بذلك الهدي النبوي في تلك الصلاة، وسواء كانت هذه الصلاة بهذه الطريقة عشرين ركعة أو اقل أو أكثر فالقضية واحدة.

2- أنها تصلى في بعض المساجد عشرين ركعة أو ثماني ركعات بآية واحدة قصيرة في كل ركعة حتى قيل: إنه في بعض المساجد تقتصر فيها الصلاة على سورة الأعلى طيلة شهر رمضان.

3- في بعض المساجد بتنا نسمع أنها تصلى ثماني ركعات بتسليمة واحدة وهذا بلا شك مخالفة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال:(صلاة الليل مثنى مثنى).

4- أصبحت صلاة التراويح في بعض المساجد وسيلة للتكسب خصوصا من ذوي الأصوات الجميلة إذ يتخذ هؤلاء صلاة التراويح وسيلة من وسائل الحصول على المال فقط لأنهم يصلون بالناس، ولا يقبل كثير من هؤلاء أن يصلوا بالناس إلا إذا منحوهم ما يطلبون من المال، ولا أدري ماذا حقق هؤلاء من صلاتهم إذا كانوا يصلونها من أجل المال.

5- في بعض المساجد يقومون بتصوير هذه الصلاة وبثها على وسائل التواصل الاجتماعي بهدف الشهرة، وتمييزا للمسجد دون غيره من المساجد حتى يتكاثر المصلون فيه.

6- بات ينظر كثير من الناس لهذه الصلاة على أنها عبء ثقيل على الظهور لا بد من الخلاص منه، ولذلك يتزاحمون عند بعض الجهلة في سبيل ذلك.

7- بعض الناس يضع تصورا معينا من الاستهانة بهذه الصلاة ويريد من الإمام وسائر المصلين أن يسيروا وراءه مستهينين بهذه الصلاة تحقيقا لرغبته.

8- وغير ذلك من الصور فالواجب على أئمة المساجد المحترمين أن لا ينساقوا إلى رغبات الناس فيصلوا حسب أمزجتهم، وهذه الصلاة سنة وليست فريضة، فمن رأى أنها حمل ثقيل يريد الخلاص منه فليصل في بيته كيفما شاء، وليرحم نفسه ويرحم إخوانه المسلمين من إكثار الضجيج في المساجد إذا لم يتحقق لهم ما يريدون.

9- إن إعلان بعض وزارات الأوقاف في العالم الإسلامي أن صلاة العشاء مع السنة البعدية وسنة التراويح والوتر بعدها يجب أن يتم ذلك كله في نصف ساعة، إنما هو اعتداء على حرية العبادة وحريات المتعبدين.

10- إن المساجد في الأمة الإسلامية كثيرة جدا، وفي كثير منها التزام بأحكام الشرع، كما أن في بعضها تفلت من تلك الأحكام، والناس بإمكانهم أن يتخيروا المسجد الذي يصلون فيه بدون أي ضجيج لا سيما مع سهولة الوصول الى تلك المساجد، فمن أراد أن يصلي هذه الصلاة محاولا أن تكون كما أراد الله تعالى من تشريعها، فليبحث عن المسجد الذي يعتقد أن ذلك يتحقق له، ومن أراد أن يستعجل هذه الصلاة ويصليها في وقت قصير ويضحك على نفسه كل يوم بأنه يسابق إلى صلاة التراويح فليبحث عن مكان يحقق له رغبته دون أن يحدث أي ضجيج.

11- إن الصلاة يجب أن يؤديها المسلم بأحسن ما يستطيع فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أول ما يحاسب المرء عن صلاته فإن صلحت صلح سائر عمله وإن فسدت فسد سائر عمله) فليتق الله تعالى المسلمون في أداء هذه الصلاة، ولا يسعوا إلى صلاة تحقق لهم رغباتهم وشهواتهم مشحونة بـ(الضحك على الذقون كما تقول العامة) فإن الله تعالى لا يقبل من الأعمال إلا كما شرعها، ومن كان لا يستطيع الصلاة هذه فليدعها لمن يستطيع فإن الله لا يكلف نفسا بما لا تستطيع القيام به

إن هذه فرصة ومنحة إلهية علينا أن نقوم بها خير القيام لأننا في زمن أحوج ما نكون فيه إلى إحكام صلتنا بالله تعالى.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين