عبارة (الهَيْكَل الصَّمَدانيّ)

هذه العبارة تتكرر في كلام عدد من المتأخرين في التراجم وغيرها وصفاً لبعض الشيوخ، وقد وقع السؤال عنها من سنوات، فكان هذا الجواب:

"بعد المراجعة، وبالاختصار:

1.هذه عبارة كانت شائعة في القرون المتأخرة بعد الألف، ويمكن الوقوف على ذلك بالبحث الآلي.

2. هذه العبارة تستعمل في وصف أعيان أهل الدين من العلماء والصالحين، وليست مخصوصة بطائفة منهم، والمستعملون لها في حق هؤلاء متنوعون من جميع الأصناف والشرائح والمذاهب.

3.الكلمتان عربيتان في الجملة، ولكن هذا التركيب غير معهود قديماً، وكذا التعبير بلفظ الصمداني.

4.الصَّمَداني نسبة إلى اسم الله تعالى الصَّمَد، بإزاء الرباني نسبة إلى اسم الرب عند من يقول بذلك، لكن هذه النسبة إلى الاسم الشريف متأخرة الاستعمال، والأقدم استعمال كلمة الصَّمدية،وهي أشهر في كلام العلماء وأقدم، وكأنَّ من استعملوا (الصمداني) أرادوا المبالغة في النِّسبة كما يقال في النسبة إلى الشَّعَر واللحية: رجل شعراني ولحياني.

قال الأزهري في «تهذيب اللغة» (15: 129): «وقال سيبويه: زادوا ألفاً ونُوناً في الرّبّاني إذا أرادوا تَخْصيصاً بِعلْم الرّبّ دون غَيْره، كأنّ معناه: صاحبُ العِلْم بالرّبّ دون غَيره من العُلوم.

قال: وهذا كما قالوا: رَجُل شَعْرانيّ، ولِحْيانيّ، ورَقَبانيّ، إذا خُصّ بكَثرة الشّعر، وطُول اللِّحْية، وغِلظ الرّقبة.

وإذا نَسَبوا إلى ( الشّعْر ) قالوا: شَعْري، وإلى الرّقبة قالوا: رَقَبيّ.

والرِّبِّي؛ مَنْسوب إلى الرّبّ، والرّبّاني، المَوْصوف بعِلْم الرّبّ».

قال المُبرّد في «المقتضب»: «هذا باب ما يقع في النسب بزيادة لما فيه من المعنى الزائد على معنى النسب، وذلك قولك في الرجل تنسبه إلى أنه طويل اللحية: لحياني، وفي طويل الجمة: جماني، وفي طويل الرقبة: رقباني، وفي كثير الشعر: شعراني؛ فإنما زدت لما أخبرتك به من المعنى فإن نسبت رجلاً إلى رقبة، أو شعر، أو جمة قلت: جميٌّ، وشعريٌّ، ورقبيٌّ، لأنك تزيد فيه ما تزيد في النسب إلى زيد، وعمرو».

5.الهيكل كلمة مذكورة في جميع معاجم العربية، نقل ابن سيده في «المخصص» (1: 511) عن أبي علي الفارسي: قال أحمدُ بن يحيى (يعني: ثعلب): الهْيَكَل: ما عَظُم من أجْرام البُنْيانِ، وقد يُسْتَعمل فيما سواء من الجُسُوم، وفي « تاج العروس من جواهر القاموس (15: 807) ما حاصله: الهَيْكَلُ: البناءُ المُشْرِفُ قيلَ هذا هو الأَصْلُ ثم سُمِّي به بُيوتُ الأَصْنامِ مجازاً، قال كاتبه: وكأنَّ استعمال الهيكل بمعنى البدن أخذ من هذا لبروزه وإشرافه للنظر في مقابل النفس أو الأعضاء الباطنة.

وفي «التاج»: أنه يطلق على الضَّخْم من كلِّ شيءٍ، وقالَ ابنُ شُمَيْلٍ: (الهَيْكَلُ الضَّخْمُ من كلِّ حَيَوانٍ)، ومنه: فَرَسٌ هَيْكَلٌ: مُرْتفِعٌ، وقالَ اللَّيْثُ: الهَيْكَلُ: الفَرَسُ الطَّويلُ طُولًا وعَدْواً؛ زادَ غيرُه: الضَّخْمُ. والهَيْكَلَةُ مِن النِّساءِ: المرأَةُ العَظيمةَ، والهَيْكَلُ: النَّباتُ الطَّويلُ البالغُ العَبْلُ أَي العَظيمُ، كَذلِكَ الشّجَرُ، وقد هَيْكَلَ الزَّرْعُ إِذا نَمَا وطَالَ، قالَهُ أَبو حَنيفَةَ أي: الدِّينوَري، قالَ الصَّاغانيُّ: فأَمَّا الحروزُ والتَّعاويذُ التي يُسَمُّونَها الهَياكِل فلَيْسَتْ مِن كَلامِ العَرَبِ.

6.يتحصل مما سبق أنَّ معنى (الهيكل الصمداني): الرجل العظيم الجليل المنسوب إلى الله الصَّمد جل جلاله لتقربه منه أو معرفته به ونحو ذلك.

7.إطلاق تلك العبارة ونحوها حيث تدل على معنى صحيح عند من يفهمه كذلك لا يتوجه إنكارها، كما أنَّ إطلاقها عند من لا يعرف معناها أو يتوهم منها معاني باطلة لا يحسُن، والله أعلم".

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين