عام مضى من عمرك ماذا قدمت فيه؟

 

عام مضى من عمرك ماذا قدمت فيه؟
الحمد لله رب العالمين نحمده ونستعين به ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا إنه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له من دون الله وليا مرشدا.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبه، أرسله بالهدي ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون.
أما بعد:
فيقول الحق تبارك وتعالى في محكم التنزيل {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ[آل عمران : 26: 27]
ويقول تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ[يونس : 5]
ويقول تعالى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا[الإسراء : 12]
ويقول تعالى:{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا[الفرقان : 62]
فالله سبحانه وتعالى خلق الإنسان وأوجده في هذه الحياة، وهو وحده سبحانه وتعالى الذي يصرف الأمور ويقلب الليل والنهار، ليعتبر الناس بمرور الليل والنهار.
 وعلًّم الإنسان عدد السنين والحساب لتكون له ذكري وعبرة أن يجتهد في هذه الحياة المحدود وأن يغتنم أيامه المعدودة.
عام مضي:
ها نحن في هذه الأيام نودع عاما من أعمارنا وجزءا من حياتنا، يغفل كثير من الناس عن حقيقة الأمر, حينما يمر بهم العام يفرحون ويمرحون, بل يتمادون في معصيتهم لربهم وإعراضهم عن طريق الله تعالى.
وهم ويعلمون أن جزءا من أعمارهم انتهي، وقدرا من آجالهم انقضي، وأن الكل عما قريب سيلقى الله تعالى بما كسبت يداه.
قال رسول الله : "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ" [المعجم الكبير:ج10/ص322 ح10786]
قال الحسن البصري رحمه الله: يا ابن آدم، إنما أنت أيام، فإذا ذهب يومٌ ذهب بعضك .
حينما ننظر في العام الماضي نجد أن فيه
أكثرَ من ثلاثمائة وستين يومًا
أكثرَ من ثمانيةِ آلافِ ساعة
ما يزيد على خمسمائة ألف دقيقة
وقت كثير وزمن كبير فكيف قضيناه وفي أي شئ أمضيناه
تقلبت فيه كثير من الأحوال وتبدلت فيه كثير من الأمور
فكم من مولود ولد، وكم من ميت دفن، وكم من صحيح مرض، وكم من مريض عوفي.
وكم من أحداث مرت علينا خلال هذا العام كانت أدعي لنا أن نعتبر ونتعظ ونقترب من الله تعالى ونكثر من عبادته ونعود ونتوب إليه جلا في علاه
قال الله تعالى {أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ} [التوبة : 126]
هكذا ستمضي الدنيا
وكما مضى العام أيها الأخوة الأحباب سيمضي العمر كله لا محالة، فمع بداية العام نظن أن أمامنا وقتا كبيرا، وأياما طويلة حتى نقطع هذا العام ونصل لنهايته، لكنه سرعان ما ينتهي كأنه طيف مر سريعا.
وهكذا تنقضي الأعوام عاما بعد عام حتى ينقضي العمر كله وتنتهي الحياة بأسرها.
وقد بين الله تعالى لنا ذلك أن الحياة الدنيا سريعا ما تنتهي قال الله تعالى{وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا[الكهف : 45]
وقال الله تعالى {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ[يونس : 24]
.. قال أحد السلف: "كيف يفرح في هذه الدنيا .. من يومُه يهدم شهرَه, وشهرُه يهدم سنتَه, وسنتُه تهدم عُمُرَه ... كيف يفرح مَن عمرُه يقوده إلى أجله, وحياتُه تقوده إلى مماته".
في مثلِ غمضةِ عين, أو لمحةِ بصر, أو ومضةِ برق, يُطوَى سجلُّ الإنسان في الحياة, من الحمل إلى الولادة, إلى الطفولة, إلى الشباب, إلى الشيخوخة والهرم, إلى الموت .. فواعجباً لهذه الدنيا كيف خُدِع بها الإنسان وغره طولُ الأمل فيها, وهي كما أخبر الله سبحانه {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ[الحديد : 20]
فينبغي للإنسان أن ينتبه لذلك ويستعد وقد حذرنا الله تعالى وأنذرنا
قال الله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ[فاطر : 5]
وان يحسن في دنياه قبل اللقاء والوقوف بين يدي الله جل في علاه قال الله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ[لقمان : 33]
إنا لـنفرح بالأيـام نقـطعها *** وكلُّ يومٍ مضى يدني من الأجل
فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهداً *** فإنما الربح والخسران في العمل
وقفة للمحاسبة:
مع نهاية عام وبداية عام ينبغي أن تكون لنا وقفة لمحاسبة النفس ومسائلتها عما قدمت في العام الماضي، وماذا كسبت قبل السؤال والحساب بين يدي الله تعالى يوم القيامة
قال الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ[الحشر : 18]
فالعبد يجب أن يحاسب نفسه ويسألها ويستعد للحساب بين يدي الله تعالى فقد انقضى جزء من عمره سيحاسبه الله تعالى عليه وعلى عمره كله يوم القيامة.
روى الإمام مسلم عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ اللَّهُ, لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ, فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّم،َ وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَا يَرَى إِلَّا النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِه، فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ". [مسند أحمد:ج4/ص256 ح18272]
وقال رسول الله : "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع عن عمره فيما أفناه وعن جسده فيما أبلاه وعن ماله فيما أنفقه ومن أين اكتسبه" [أخرجه الطبرانى (11/102, رقم 11177]
أسئلة هامة مع نهاية عام وبداية عام:
بعض الأسئلة الهامة التي ينبغي أن يقف معها الإنسان وهو مع بداية عام ونهاية عام.
أولا: ماذا قدمت لدينك: فليسأل كل واحد منا نفسه ماذا قدم في هذا العام لدين الله تعالى؟
أ ـ على مستوي الطاعات والعبادات التي تعبدنا الله تعالى بها
كيف كان حالنا مع الصلاة عماد الدين هل صليناها في وقتها؟
في المسجد؟ في جماعة؟
هل أتممنا ركوعها وسجودها؟
هل أدينا حقها من الأركان والواجبات والسنن؟
هل خشعنا لله تعالى فيها؟ وازددنا خشية منها؟
هل شعرنا أنها غيرت سلوكنا وأثرت في أخلاقنا وتعاملنا مع الخلق؟
والصيام، والزكاة، والحج, وقراءة القرآن، وقيام الليل، والذكر، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.
وسائر العبادات التي أمرنا الله تعالى بها وسنها لنا رسول الله .
يقول عبد الله بن مسعود : "ما ندمتُ على شيء ندمي على يوم غربت شمسه، نقص فيه أجلي ولم يزد فيه عملي".
يقول الحسن البصري: ما من يوم ينشق فجره إلا ونادى مناد من السماء يا ابن ادم إنا خلق جديد وعلى عملك شهيد فاغتنمني بعمل صالح فاني إلى يوم القيامة لا أعود.
ب ـ هل نصرنا دين الله تعالى كما ينبغي؟
إن الإسلام يتعرض لهجمة شرسة داخل بلاد المسلمين وخارجها تريد أن تمحو اسمه وتزيل رسمه، وتجعل الناس ينحرفون عن طريقه المستقيم، ومنهجه القويم.
والأمة في مجموعها أفرادا وجماعات مطالبة أن تنصر دين الله تعالى بالنفس والنفيس
بالروح والنفس بالمال بالوقت بكل ما يملكه المسلم من جهد وفكر {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ}[التوبة : 111]
كما نصره الصحابة رضوان الله تعالى فنشر الله بهم الدين وأعزهم الله في دنياهم وكتب لهم عظيم الأجر في أخراهم.
فلنسأل أنفسنا ما ذا قدمنا لدين الله تعالى وماذا ننتظر؟
د ـ هل كنت داعية بحق إلى دين الله تعالى؟:
إن مسألة الدعوة إلى دين الله تعالى وبيانه للخلق مسئولية الأمة بأسرها مسئولية أتباع محمد صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ[يوسف : 108]
فكل مسلم من أتباع محمد مطالب أن يكون له دور في الدعوة إلى الله تعالى بقدر ما يمكنه على هدى وبصيرة وحكمة.
خاصة المسلمون الذين يعيشون في أوربا وفى بلاد غير المسلمين.
وعلى كل مسلم أن يتفنن في الوسائل المشروعة التي يعرف الناس بها بدين الله تعالى شكل صحيح يزيل الشبهات ويدرأ الأباطيل ويبين حقيقة هذا الدين للعالمين.
لا شك أن كل واحد منا لو جعل ذلك نصب عينيه لتغيرت نظرة الناس للإسلام والمسلمين.
إن أمة الإسلام خرجت للبشرية من قبل لتقدم لها منهج الحياة الأقوم وسبيل السعادة الأمثل، وطريق النجاة في الدنيا والآخرة.
وها هي البشرية تترنح بين مبادئ ونظم لم تشف عليلها، ولم ترو غليلها، ولم تذهب البأس والشقاء عنها.
جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين


التعليقات