عالم بلا إنسانية

الإنسانية هو مصطلح اكتسبه الناس من قواعد الدين السماوي، لما رأوا أن الأديان السماوية تعطي الإنسان حقوقه التي جعلها الله له، فلا يعتدي ولا يعتدى عليه، وأهم هذه الحقوق المحافظة على دينه وكرامته وأن لا يكره على ما يريد، هذه الحقوق لم تعرفها البشرية إلا من خلال الدين، وقد أخبرنا الله تعالى في كتابه بقوله: "ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون" فالفساد والإفساد ليس من الحقوق الإنسانية التي شرعتها الأديان السماوية، وكانت البشرية قبل الإسلام قد وصلت إلى قاع الانحدار بالإنسان بسبب الطغيان والعسف والفساد، فجاء دين الإسلام فقرر الحقوق الإنسانية بما لم يحصله أحد إلا من خلال الدين وسلطانه، ولما طغت المادية على الإنسان ونسي قضايا الروح ارتكست البشرية إلى ما هو أحط من الجاهلية.

 

والعالم اليوم لا يملك من الإنسانية إلا شيئا من القشور، ضحكت بها بشرية اليوم على نفسها وأقنعت أفرادها بأن الإنسانية هي هذه الدعاوى الكاذبة حول ذلك، فهل يملك من يرى القتل والدمار في غزة شيئا من أصول الإنسانية التي دعت إليها الأديان؟

 

يا هل ترى هل المتسلطون في هذا العالم عربية وعجمية يمتلكون من الإنسانية ولو مجرد قشورها؟

إن إنسانية هؤلاء هي المتمثلة عندهم في قول واحدهم كما أخبر الله تعالى عنه:" ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد" فهؤلاء حين تتحقق مصالحهم يفغرون أفواههم بما يكذبون به على شعوبهم من أن الإنسانية تقتضي ذلك!! والحقيقة أن العالم اليوم لا يوجد فيه شيء من الإنسانية، لا لأنه فقدها، بل لأنها لم توجد عنده أصلا، بسبب طغيان الفكر اليهودي على الناس من الاعتناء بالمادة وتفسير كل شيء بناء عليها، وقد سرى هذا الانحدار الأخلاقي إلى كل العالم بسبب تغييب الدين عن الحياة، فهل يمكن أن نفهم من قوله تعالى عن اليهود:" ولتعلن علوا كبيرا" مثل هذه الأشياء؟ والجواب عندي أن هذه الحالة هي حالة انحدار في الأخلاق والسلوكيات، ولا يمكن للحق تبارك وتعالى أن يصنف هذا الانحدار تحت باب العلو..

 

وإذا كنا نتحدث عن الذين لا توجد عندهم إنسانية من أهل الكفر والطغيان، فإنهم لا يرون أنهم يصنعون شيئا لأهل غزة المجاهدين سوى الصراخ والعويل واستجداء المنائح ممن يملكها، فكيف نقول في شأن أهل العروبة والإسلام الذين يرون البيوت تتهدم فوق رؤوس أصحابها وتتمزق أجسادهم

 تحت وابل القصف الصهيوني والصليبي، ولا يملكون إلا الصراخ والعويل والاستجداء المخزي الذي لا يزيدهم إلا ذلا فوق ما هم فيه؟ وقد بين القرآن ذلك بقوله تعالى:" يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا" فقد حدث ما حذرت منه الآية، وجعل الله للكافرين علينا سلطانا مبينا، بسبب الركون إلى الكافرين واتخاذهم أولياء من دون المؤمنين.

 

ولا أدل على هذا الصنيع الشائن من كون قادة وزعماء في دول عربية وإسلامية يتصلون باليهود يحضونهم على قتل المؤمنين المجاهدين لتسلم لهم سلطاتهم-هذا يشيع اليوم في كل الدنيا ولم يقم حاكم واحد ممن وجهت إليه هذه التهمة بإنكارها أو الدفاع عن نفسه على الأقل أمام شعبه- ولا أدل على ذلك أيضا من عجز الحكومات العربية على تقديم أية مساعدة لأهل غزة إلا بعد استجداء اليهود ليسمحوا لهم بذلك، كفانا ذلا أيها الحكام والمسؤولين، فإن كنتم لا تقدرون على أن تحفظوا مواقعكم بدون هذا الخذلان، فدعوا الشعوب العربية وأمرها فهي ستقوم بما يلزم.

اللهم هل بلغت؟ اللهم فاشهد

تلك نفثة مصدور على صفحة تملؤها السطور

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين