عالم الإفك

د. محمد سعيد حوى

يعيش عالمنا اليوم ومنه عالمنا العربي الإسلامي في كثير من ميادينه العامة السياسية أو الحياتية عالماً من الأفك ، وقد جاءت

آيات تشخص هذا :

1-﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الخِصَامِ ، وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ ،وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ العِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ المِهَادُ ﴾ [البقرة: 204-206]

2- وقال تعالى في وصف المنافقين : ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ العَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾ [المنافقون: 4]

3-﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَراً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [النور: 11]

 

ولنجعل حديثنا اليوم عن الإفك:

 

لنحمي أسماعنا، ونحفظ ألسنتنا، ونسدد مواقفنا، وننقي قلوبنا

 

 يشتد الإفك في هذه الأحوال والتضليل والتزوير والكذب والخداع 

 وإنما سمي الإفك إفكً لأنه يصرف عن الحق إلى الباطل وسمي الكذب بهتاناً لأنه يجعل السامع مبهوتا لشدة تحيره ودهشته من هذا الكذب وهذا الذي نعيشه اليوم تماماً مما نسمعه من فضائيات وسياسيين وإعلاميين إلا ما رحم ربك فكيف يجب أن يكون موقف المؤمن؟ 

إذا كان الله لأجل إفك واحد أنزل آيات عظام تبين خطورة الخوض في عرض السيدة أم المؤمنين، ولأجل حفظ عرض المسلم من الإفك؛ وأن لا يسمح بقذف رجل واحد أو امرأة بالباطل؛نزلت تلك الآيات.

 فكيف إذا كان إفك ينتهك كل حرمات الأمة وكل الأعراض ؛إفك يقذف الأمة كلها،ويسعى لتدمير الأمة والمجتمع ،والتدمير والاغتيال للحق ولكل من هدف إلى خير وإصلاح؛ فيتهم الضحية بالقتل ويتهم الضحية بالتخابر مع العدو ويشيطن المظلوم البريء .

 

لذا بينت الآيات قواعد أساسية في التعامل مع الإفك والبهتان والكذب :

إذ بين العلماء أن العبرة بعموم اللفظ:

1-حسن الظن بالمؤمنين وإنكاره قلبياً والقياس على النفس: ﴿ لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ المُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ ﴾ [النور: 12]

2-عدم مسايرة الإفك ولا السير به وأوله الصمت: ﴿ وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ﴾ [النور: 16]

3-رد الأمر إلى أهل الإختصاص﴿ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ [النساء: 83]

 

 

وتبين الآيات خطورة الإفك والتعاطي معه:

1-            وصف من يتعاطاه بالكاذب:

﴿ لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الكَاذِبُونَ ﴾ [النور: 13]

وخطورة ذلك كما قال تعالى:

﴿ إِنَّمَا يَفْتَرِي الكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الكَاذِبُونَ ﴾ [النحل: 105]

 وماذا يعني هذا؟

 حسبكم:

 ما رواه عَبْد اللَّه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى البِرِّ، وَإِنَّ البِرَّ يَهْدِي إِلَى الجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا. وَإِنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفُجُورِ، وَإِنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا»

صحيح البخاري ومسلم

والكذب من أخص صفات المؤمنين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ " صحيح البخاري ومسلم

ومن أكبر الكبائر عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الكَبَائِرِ، قَالَ: «الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ» صحيح البخاري ومسلم

إذن أولاً من تعاطى مع الإفك كذاب

 

2-التهديد الخطير بالعذاب العظيم:

﴿ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [النور: 14]

 

3-           تحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم:

﴿ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ ﴾ [النور: 15]

 

خطورة الإفك في قضايا الأمة :

كله لوكان عرض امرأة مؤمنة كيف والأمة كلها عن بكرة أبيها تستهدف بالإفك والكذب والتضليل .

نعم إن هذا الإفك والتضليل والخداع يؤي إلى ضياع الأمة وحاضرها ومستقبلها  ومقدراتها وإلى القتل واستحلال الدماء والأعراض والأموال ؛

إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم: «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لذَهَبَ دِمَاءُ قَوْمٍ وَأَمْوَالُهُمْ» صحيح البخاري

فهذا في حق الدعاوى الشخصية فكيف في حق  الدعاوى الكاذبة في حق الأمة التي يترتب عليها استحلال الدماء وتتضييع الحقوق وسلب الأموال والسجون والمجازر، والأخطر موالاة الطغاة والمجرمين وتصديقهم في كذبهم وفجورهم >

 

الواجب الشرعي:

 

أين نحن من:

 ﴿ وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ﴾ [الإسراء: 36]

فحتى  السمع أنت مسؤول أنت عنه وما تراه أن مسؤول عنه وما تعتقده أنت في قلبك أن مسؤول عنه فكيف إذا تكلمت به؛ لذا بين سبحانه

﴿ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 18]

وبين سبحانه ﴿سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ ﴾ [الزخرف: 19]

ولذا طالبنا سبحانه ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ [الحجرات: 6]

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ ﴾ [الحجرات: 12]

 

صور خطيرة لآثار الإفك:

بالكذب والخداع اغتصبت فلسطين ، وسُلمت بتشريع أممي ليهود.

وبالكذب والخداع سُوق للمحرقة المزعومة لتبرير الظلم في حق الفلس

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين