عائشة تصوب لعروة معنى السعي بين الصفا والمروة

روى البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ومالك، عن عروة بن الزبير رضي الله عنهما، قال: سألتُ عائشة رضي الله عنها، فقلتُ لها: أرأيت قول الله: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا}، فَوالله ما على أحدٍ جُناح أن لا يطوَّف بهما. قالت: بئسما قلت يا ابن أختي - وكان عروة ابن أختها أسماء رضي اللَّه عن الجميع - إِنَّ هذه لو كانت على ما أولْتَها كانت: لا جُناح عليه ألا يطوف بهما، ولكنها أُنزلت في الأنصار، كانوا قبل أن يسلموا يُهِلّون لمَنَاةَ الطاغية، التي كانوا يعبدونها عند المشلَّل، وكان من أهلَّ لها يتحرَّج أن يطوف بالصفا والمروة.

فلما أسلموا سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقالوا: يا رسول الله: إنا كنا نتحرج أن نطوف بين الصفا والمروة؟ فأنزل الله: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}.

قالت عائشة رضي اللَّه عنها: وقد سنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما، فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما.

 

لقد فهم عروة بن الزبير من الآية أنها ترفع الجُناح -وهو الإثم- على من طاف بين الصفا والمروة {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا}، ونفيُ الإثم على من فعل ذلك يدل على كونه مباحاً يستوي فعله وتركه، فلو كان واجباً لأوجبه الله بالنص وما اكتفى برفع الإثم على من فعله.

وهذا فهمٌ خاطئٌ من عروة، لو قلنا به لكان السعي بين الصفا والمروة مباحاً، وليس ركناً من أركان الحج كما هو معروف.

فصوبت عائشة - رضي الله عنها - لعروة فهمه، وبيَّنت له أن الآية ساكتةٌ عن الوجوب وعدمه، وإنما تهدف إلى رفع الإثم على من سعى بينهما، وأنها تعالج تحرجاً في نفوس الأنصار.

أما وجوب السعي بينهما فمأخوذٌ من أحاديث وفعل الرسول عليه السلام. واستعانة عائشة بسبب نزول الآية، دليلٌ على وجوب معرفة سبب النزول لدقة الحكم، وصحة الفهم.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين